مراد وهبة
عندما كنت فى السنة النهائية بقسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول طلب منى أستاذى الدكتور يوسف مراد تحليلًا علميًا لكتاب كان قد أصدره العالم النفسى الفرنسى جورج دوما تحت عنوان «عالم الأرواح والآلهة»؛ لنشره فى مجلة علم النفس التى كان يشرف على تحريرها. وبعد ذلك دعانى إلى معاونته فى عيادته النفسية، ومن ثم قررت أن أتخصص فى علم النفس المرضى، فاخترت موضوعًا لرسالة الماجستير «الهذيان الدينى». وبعد ذلك بدأت أتردد على مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية لمقابلة المرضى بهذا النوع من المرض. ولكن مع الوقت انتابنى إحساس بالاكتئاب، إذ وجدت نفسى أمام بشر لا حول لهم ولا قوة فتركت مجال الهذيان الدينى. تذكرت هذه المرحلة الأكاديمية إثر الانتهاء من قراءة مقال نشره الدكتور وسيم السيسى بصحيفة المصرى اليوم بتاريخ 20/2/2021، تحت عنوان «مصيبتى كبيرة وحزنى أكبر.. لك الله يا مصر» ردًا على رأيى، بأن علينا أن نكف عن أوهام كتاب «أثينا السوداء» لمارتن برنال والذى كان المركز القومى للترجمة قد أصدره مترجمًا إلى اللغة العربية، وفيه أن حضارة اليونان كلها مأخوذة عن الحضارة الإفريقية.
وهذا هو بالفعل رأيى. ولكن ما أصابنى بذهول السطور الأولى من المقال وفيها يقول الدكتور وسيم السيسى «اتصل بى الدكتور السفير فاروق رياض مبروك منزعجًا وقال: إن الدكتور مراد وهبة ذكر أن مارى ليفكوفتس وكتابها «ليس من إفريقيا» هو الكتاب الذى يرد على كتاب «أثينا السوداء»، ولكن السفير لم يجد فى جوجل أثرًا لهذا الاسم أو الكتاب». انتهى كلام سيادة السفير الدكتور مبروك. ولكن هذا الكتاب موجود فى مكتبتى. وفى هذا السياق يمكن أن يقال إن هذا النوع من النقد يدخل فى باب «الهذيان الثقافى». وفى هذا السياق أيضًا يمكن أن تضاف الأسئلة التى أثارها الدكتور وسيم السيسى ومنها تساؤله: هل إقامة أفلاطون فى الإسكندرية 13 سنة كانت وهمًا؟.. وأنا لم أُثر هذا التساؤل. ومنها تساؤله: وهل قول اليونانيين أنهم تلاميذ للمصريين وهم؟.. وأنا أيضًا لم أُثر هذا التساؤل.
إنما الذى قلته هو أن الحضارة الفرعونية أنشأت الهندسة العملية والطب على أساس أسطورة عودة الروح. الهندسة العملية لبناء الأهرامات التى تعنى المقابر باللغة الهيروغليفية والأهرامات لاستقبال عودة أرواح الفراعنة الذين هم من نسل الآلهة، والطب لتحنيط جثثهم لكى تكون سليمة عند دخول هذه الأرواح إليها عند عودتها إلى هذه الحياة الدنيا. والذى قلته أيضا ولم يذكره الدكتور وسيم السيسى أن فيثاغورس الذى كان قد زار مصر فطن إلى أن الهندسة يلزم فى البداية أن تكون نظرية قبل أن تكون عملية، وذلك لأنها تستند إلى مفهوم «البرهان» وهو مفهوم لم يكن واردًا عند قدماء المصريين لأنه مفهوم خالٍ من الأسطورة. وبناء على مفهوم البرهان أسس أرسطو علم المنطق وبناء على علم المنطق أسس أقليدس الهندسة النظرية. وتأسيسًا على ذلك كان المطلوب من الدكتور السيسى الالتزام بالرد على ما كتبته وليس على ما لم أكتبه لأنه بذلك يدخل نفسه فى باب «الهذيان الثقافى».
نقلا عن المصرى اليوم