سحر الجعارة
ليس دور «مقدم البرامج» أن يكون «زعيماً سياسياً»، ولا أن يتولى مهام ضيوفه فيتحول إلى خبير استراتيجى ومحلل عسكرى وشاعر وفيلسوف إذا لزم الأمر!.. وليس دوره كذلك أن يرتدى عباءة الفضيلة ويتقمص دور «الواعظ» المتشدد أخلاقياً ليباشر وصايته على المجتمع من زاوية ضيقة جداً لا تسمح له حتى برؤية عيوبه هو ذاته.. لكن مرحلة 2011 أفرزت لنا كل هذه النماذج. البعض خسر مصداقيته حين ظن أنه «أذكى من المشاهد»، فخاصمته الأضواء وابتعد عن الشاشة، والبعض الآخر اعتقد أنه مندوب العناية الإلهية لحماية «الأخلاق»، متوهماً أنه بذلك ينافس مثلاً شعبية ما يسمى «شباب الدعاة».. أبرز نموذج للنوع الأخير «تامر أمين»، الذى تصور خطأ أنه يخاطب مجتمعاً فاسداً وجب عليه إصلاحه وأن برنامجه ينافس «خطبة الجمعة».. وأن عليه واجب تقويم المجتمع من خلال مساحته الإعلامية! حين يمتلك المذيع «الهواء» فهو كمن يقبض على مدفع رشاش، إما يصيب الجمهور بشكل عشوائى أو يرتد ليغرق الاستوديو فى دمائه شخصياً.. حتى «الضيف» إذا خرج عن سيطرة المحاور يقع البرنامج بأكمله.. إنها «ضوابط المهنة»: أن تختار «الموضوع» بعناية وتتحلى بجاذبية العرض، وتُخرج من ضيفك أهم المعلومات الممكنة، وترفه عن المشاهد قدر الإمكان.. ونجاح البرنامج يعتمد على الأضلع الثلاثة: المقدم والموضوع والضيف. ليس من مهام «تامر» أن يتهكم على الدكتورة «رانيا علوانى» لأنها تقوم بالعديد من الأعمال خلال حياتها المهنية، ولا أن يسخر من دعم زوجها لها ومساندته القوية.. لقد أطلق «تامر» سهامه الطائشة على ضلعى الأسرة: «المرأة والرجل» لدرجة أن «المجلس القومى للمرأة» تقدم بشكوى إلى لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضد برنامج «آخر النهار» الذى يقدمه تامر أمين على قناة النهار.. ولأنه يعلم أننا شعب «طيب ومسالم ومتساهل فى حقوقه» تحصّن خلف «ثقافة الاعتذار» و(الذى هو فضيلة وشيمة الكبار).. فطُويت الصفحة! ربما فهم «أمين» أن «ثقافة الاعتذار» واجبة فى حق الطبقات العليا من المجتمع، فسنّ سكينه على «الغلابة».. فى يونيو 2020، انتقد «تامر» الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا لدى بعض فئات المجمتمع المصرى قائلاً: (لو نزلنا بكاميرا فى الأحياء الشعبية وعند الناس الغلابة والحلوين البلاطة اللى خدوا قدر معين من التعليم، ونسألهم: ماذا تعرف عن التباعد الاجتماعى؟ هيقول لك حاجة جديدة على الموبايل، أو شركة مفروشات فى مصر الجديدة، أو تمويل عقارى، هتسمع كل حاجة غير الإجابة الصحيحة)! ثم عاد ليعتذر مُذيلاً اعتذاره هذه المرة بعبارة «والله من وراء القصد».. ولا أدرى أين ومتى تعلّم «أمين» أن إهانة البسطاء ومعايرتهم بفقرهم أو جهلهم «على بلاطة» وتدمير حالة الرضا التى تغمرهم رغم ذلك، ممكن أن يكون هدفها إرضاء المولى عز وجل.. لكنه كان مدركاً أن ظروف جائحة كورونا وعدم وجود من يتحمس للدفاع عنهم سوف يجعلان «الهواء» يتحرك والكاميرا تدور.
منذ ظهر «تامر أمين» على شاشة التليفزيون المصرى وهو يتنمر بالنساء (ربنا يجعله فى ميزان حسناته) ربما لأنه فى مرجعيته الفكرية يراها «عار وعورة»، وإلا فكيف تهكم على «رانيا علوانى»، طبيبة أمراض النساء والتوليد، وعضو مجلس إدارة النادى الأهلى، وعضو مجلس النواب؟! ولم تسلم من لسانه فنانة أو عارضة أزياء: (10 ديسمبر 2020، صدر حكم بمعاقبة تامر أمين بالحبس سنتين وكفالة 50 ألف جنيه لإيقاف التنفيذ، وتغريمه 40 ألف جنيه للادعاء المدنى، لاتهامه بسب وقذف وانتهاك حرمة الحياة الخاصة لعارضة الأزياء ميرهان هشام عبدالقادر.. وتنازلت «ميرهان» بعد اعتذاره حرصاً على بناته عن الشق الجنائى فقط).
إلى هنا كان لا بد أن يبدل «تامر أمين» مهنته، يقدم برامج دينية مثلاً، أو يتعلم كيف يكون محايداً وموضوعياً، (وهذا من شروط المهنة)، ألا يتطوع بإبداء رأيه فى أى قضية عامة أو فئوية «ويحترم جهله» ويدرك أنه لا يتمتع بذكاء اجتماعى.. على الأقل يلتزم بما يكتبه الإعداد، لكن «الشعب المتسامح» أغراه حتى خبط رأسه فى الحائط قائلاً: (الأهالى فى الريف والصعيد بيخلفوا أطفال علشان العيال هما اللى يصرفوا على الأب والأم.. فى الصعيد بيشحنوا البنات على القاهرة عشان يشتغلوا خدامات).. هكذا اشتعلت النيران التى لا يطفئها «الاعتذار» لأهل الصعيد والريف، والذى قال فيه نصاً: «جزمة أهل الصعيد على دماغى من فوق»، وكذلك إعلان شبكة قنوات النهار اعتذارها لجميع أهالى صعيد مصر وريفها فى الوجه البحرى، وتم تغريم القناة 250 ألف جنيه من «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» وإنذارها بسحب الترخيص حال تكرار المخالفات، ومنع ظهور «تامر أمين» فى وسائل الإعلام لمدة شهرين.. هذه المرة يتصدى لسخافات «تامر» أعضاء مجلسى النواب والشيوخ.
«قطع لسان كل من يتطاول على سيدة صعيدية».. هذه العبارة جاءت فى سياق رد النائبة «مى مازن»، عضو مجلس النواب، ولا تزال طلبات الإحاطة تنهال على مجلس النواب للتحقيق فى الواقعة.. «والله والوطن والشعب من وراء القصد».
نقلا عن الوطن