مفيد فوزي
■ لا أظن أن مسؤولًا - فى الماضى - سمع عنها.. ولو كان قد سمع فسوف يتناولها وكأنها فولكلور!. وأعترف بأنى سمعت اسم المكان من الدارس الاجتماعى الرائد د. سيد عويس وهو يضرب أمثلة للمجتمعات «المهمشة»، ونطق اسم «عزبة الهجانة». المجتمعات المهمشة هى التى سقطت من ذاكرة الدولة ولا تمتد لها يد الإصلاح أو التغيير أو التطوير وبقيت على حالها السيئ، وإذا جاءت سيرتها، قفز المسؤول إلى موضوع آخر. ولم تحظ الهجانة'> عزبة الهجانة بأى اهتمام رسمى، بل «حظيت» بإهمال أكبر تراكَمَ على مر السنين.
■ الهجانة'> عزبة الهجانة أسفل الكوبرى الشهير بالكيلو 4.5، مساحتها 750 فدانا، وسكانها مليون نسمة، والتركيبة السكانية بلغة علم الاجتماع عائلات من محافظات سوهاج وقنا والمنيا، ويتفاوت المستوى الاجتماعى، فالأعلى مستوى هم الذين يسكنون على حدود المنطقة من ناحية طريق السويس أو طريق جاردينيا من الشرق، ثم يقل المستوى الاجتماعى والاقتصادى كلما دخلنا إلى قلب المنطقة والاقتراب من منطقة الضغط العالى التى يقطنها من يطلق عليهم «الغجر»، إنهم يعيشون فى عشش وتحت الضغط العالى.
■ سكان هذا المجتمع «عزبة الهجانة» يعملون فى أعمال المعمار «عمالة يومية» أو بيع الخضراوات أو فى أعمال الحراسة للعقارات أو المخازن أو موظفين فى مكاتب.
■ من العلامات المميزة ذات الأهمية للسكان كشك توزيع الخبز، ومحطة الأتوبيس عند الكيلو 4.5 بالقرب من المدخل الرئيسى للعزبة، وهى محطة مزدحمة تم إنشاؤها فى السبعينيات، وتمثل آخر الخط للعديد من خطوط أتوبيسات النقل، أما داخل الهجانة'> عزبة الهجانة فوسائل المواصلات الأساسية هى التوك توك والسيارات ربع النقل.
■ هذه الأرض الصحراوية التى تحولت إلى مجتمع عشوائى استُخدمت يومًا ما كثكنات لسلاح الهجانة «راكبى الجمال». من هنا جاء اسمها «عزبة الهجانة»، وحدث التحول من ثكنة عسكرية إلى منطقة سكنية فى أوائل الثلاثينيات من القرن الماضى.
■ أدى انخفاض الإيجارات فى الهجانة وسهولة الوصول منها إلى بقية مناطق القاهرة إلى اجتذاب سكان جدد، وكان المهاجرون من القرى إلى المدن يرون فى الهجانة'> عزبة الهجانة «السكن الملائم» وفى متناول اليد.
■ فى الهجانة'> عزبة الهجانة مركز صحى مهجور، ولا توجد مستشفيات، وهناك ثلاث مدارس، ولا توجد مدرسة للتعليم الثانوى، والبحث الاجتماعى لاحظ «زيادة نسبة المطلقات نتيجة التعليم المحدود».
■ لا توجد مراكز شباب ولا حضانات رسمية، وهناك ملاعب بلا نشاط.
■ المجتمع، أفقر مناطق، خصوصًا ما يسمى منطقة الضغط العالى.
■ تمت عملية التوطين فى الهجانة'> عزبة الهجانة بوضع اليد ودون أوراق رسمية أو قانونية، وأدى ذلك إلى صراعات ومشاجرات وإلى ظهور مافيا الأراضى.
■ الهجانة شوارعها ضيقة ومتعرجة ومتقاربة من بعضها، وهناك منظمات أهلية ترعى المساجد والكنائس.
■ تمثل المساجد والكنائس علامات مميزة فى عمران المنطقة. فمن أبرز المساجد هناك «مسجد الحاج شحاتة» ومسجد «الهدايا» ومسجد «صهيب الرومى» ومسجد «الشيخ نظير»، وهناك كنيسة «أبوسيفين»، وكنيسة رئيس الملائكة، وكنيسة الشهيد العظيم مارمينا والبابا كيرلس السادس، والكنيسة والمدرسة السودانية، وهى كنيسة كاثوليكية تخدم مجتمع اللاجئين السودانيين.
■ تستمد منطقة الضغط العالى اسمها من مرور خطوط كهرباء الضغط العالى فوق المنازل، مما قد يسبب حرائق وحوادث صعق كهربائى، خصوصًا خلال الأمطار، كما تسبب أمراض سرطان الدم، سكان منطقة الضغط العالى محرومون من الخدمات كالمياه والصرف والكهرباء والغاز الطبيعى، أما منطقة الغجر فهى مقر سكن جامعى القمامة.
■ «إحنا عيالنا بتنكسف تقول إنها من الهجانة.. بيتعرضوا للسخرية».. هذا «التنمر» واضح بشدة وتسمعه من آباء.
■ سُمعة المجتمع العشوائى كوصمة اجتماعية يعانى منها السكان، الغرباء يعتقدون الهجانة'> عزبة الهجانة «وكرًا للمجرمين»، وبعض المدارس ترفض قبول أولاد عندما يطّلعون على محل إقامتهم، ومن اللافت للنظر أن بعض المدرسين يلقون عقوباتهم بإرسالهم إلى مدرسة فى الهجانة'> عزبة الهجانة. ومجتمع الهجانة لا يحصل على خدمات صحية واجتماعية وخدمات شرطة وصيانة مرافق عامة.
■ هذا المجتمع المهمش الذى تصعقه كهرباء الضغط العالى ولا تقبل المدارس أولاده عندما تعرف أنهم من سكان الهجانة'> عزبة الهجانة.. من يتخيل - مجرد تخيل - أن رئيس الجمهورية يلتفت إليه، بل يقرر زيارته مع الحكومة والرسميين؟!.
من يتخيل أن الرئيس السيسى يصحب «الدولة» إلى واحد من المجتمعات المهمشة والأكثر فقرًا؟!.
كيف تذكّر الرئيس عذابات هذه المنطقة وعزلتها ومشاكلها؟ لماذا زار الرئيس بنفسه أفقر العشوائيات مصطحبًا الحكومة «الهدف من التواجد وزيارات المناطق أن نعيش مع الناس حجم المشكلة ولا نتحدث عنها فقط»؟!.
ويقول بقلب مفتوح: «نتحدث حول كيفية وقف العشوائيات أولًا ثم العلاج»، ويقول: «عايز أخلى الشوارع تنفع للمعيشة وحياة أفضل»، ويقول بمسؤولية رئيس دولة: «علينا أن نوفر طلبات الناس»، ويقول عبدالفتاح السيسى: «عاوز مستوى معيشى آدمى». إنه يتكلم بضمير صاحى، فمن الذى يتصور أن يزور الهجانة ومعه كبار رجال الدولة؟!.
■ أنا، على المستوى الشخصى، عشت الزيارات الرئاسية أكثر من 8 سنوات، أصابنى الذهول لمّا سألت أصدقاء ولم أكن بجوار الشاشة عندما ظهر. قلت لهم: الرئيس فين؟، فرد صديق لم يكتم دهشته: فى الهجانة'> عزبة الهجانة! قلت باستغراب: فين الهجانة'> عزبة الهجانة دى؟ فرد: عند الكيلو ٤٫٥، فسألت بغيظ: فين الكيلو ٤٫٥؟ فقال ده أشهر مكان قريب من مدينة نصر. ثم سألت: أنا مش شايف الشخصيات علشان الكمامات بتخفى الوجوه.. بيتهيألى شايف د. مصطفى مدبولى. فقال: صح. سألته: ومين؟ قال: وزير الإسكان موجود، وزير التنمية المحلية موجود، وزيرة التضامن موجودة، وزيرة التخطيط موجودة، واللواء إيهاب الفار ومحافظ القاهرة.
قلت والدهشة مازالت تلازمنى: دى زيارة تاريخية. مش بتاريخها فى النتيجة، إنما بأهميتها. إن رئيس الدولة يرى مع الوزراء بنفسه مجتمعًا يحتاج إلى تطوير. كان ممكن وزير التنمية المحلية يزور ويقدم تقريرًا للرئيس. ولكن الرئيس لا يعتمد على التقارير المكتوبة، من المهم أن يراه الناس فى «الموقع»، ليس وحده بل مع الوزراء المعنيين.
■ أصبح اسم «عزبة الهجانة» منذ هذه اللحظة «مدينة الأمل»، نتيجة جلسة رئاسية، واعتمدت محافظة القاهرة الاسم.
■ هذه هى مصر.. السيسى.
مصادر المعلومات:
1- أفكار للدكتور سيد عويس
2- د. إيهاب حنفى مدير صندوق العشوائيات
3- الباحث عزالدين رضا
نقلا عن المصرى اليوم