مدحت بشاي
لابد أن يشغل أمر بناء الإنسان اهتمامًا يماثل ويفوق الاهتمام بالبناء المادى، وعليه أسعدنى تأكيد الرئيس السيسى فى أكثر من خطاب على مفهوم أن بناء الإنسان عملية مجتمعية، وإشارته إلى أننا نحتاج إلى تحرك قوى وفاعل فى مجالات بناء الشخصية المصرية كى تتطور بما يليق بمتطلبات العصر الحديث، وتأكيده أنه سيضع بناء الإنسان على رأس أولويات الدولة خلال المرحلة القادمة يقينًا منه بأن كنز أمتنا الحقيقى هو الإنسان، والذى يجب أن يتم بناؤه على أساس شامل ومتكامل بدنيا وعقليا وثقافيا بحيث يعاد تعريف الهوية المصرية من جديد بعـد محاولات العبث بها، وأيضًا إشارته إلى أن ملفات التعليم والصحة والثقافة فى مقدمة اهتماماته..
وهنا، أرى الاهتمام بدعم إنتاج الفنون وترقيتها فى مجال بناء الإنسان قد بات ضرورة، فالفنان هو الإنسان الذى يسير دائمًا فى طريق خاص ذاتى للإبداع الحر، بل وقد يكون فى اتجاه الدرب المختلف والمغاير لحركة المجتمع إذا حكمت أهل الفنون عقلية القطيع التابع، ويبقى إبداعه هو الصوت الذى ينبذ هيمنة المسلمات والحالة الشمولية.. الفن خرق لمفهوم العادة والاعتياد والنمطية.. الفن تمرد على القوالب الجاهزة وتجاوز لكل كليشيهات أهل التنظير التقليدى، الفن لابد أن يحمل علامات التميز والندرة وإعادة الخلق وتجدد البناء وحرية الهدم والتفجير لو تطلب الأمر ذلك.. الفن هو الصوت المؤثر المشحون بهموم الذات وإيقاعاتها اليومية.
لقد كتب «كلود برنار» فى كتابه مدخلا إلى الطبّ التجريبى يقول: «إنّ الفنّ هو أنا بينما العلم هو نحن»، إشارة منه إلى أنّ الحقيقة أو النظرية العلمية يلتقى عندها الكلّ لأنها قد سبق الإجماع على برهنتها على أساس قواعد متداولة مشتركة فى التجريب واستخدام العقل البشرى الذى يفكر بطريقة منطقية وهو يدرس موجودات الطبيعية، بينما يتميز الإبداع الجمالى بانفلاته من هذه المعايير وخضوعه لدواعى الذات الفردية.. وهو ما يؤكد على أن الرقى بالفنون ضرورة فى مراحل إعادة البناء..
لقد عرف الفيلسوف «سنتيانا» الفن بأنه متعة جماليّة، أو لذة جماليّة، وغيره الكثير من الكتاب المحدثين الذين يربطون بين مفهوم الفن ومفهوم الجمال، أو القدرة على توليده، أو المهارة فى استحداث ما يطلق عليه متعة جماليّة.
ومن اتجاه آخر يفرّق «كانط» بين الفن وهو نشاط تلقائى حر، غير أن المهنة صناعة لها ثمن تهدف فى النهاية إلى المنفعة المادية، وترمى إلى الكسب. ويعرّف المفكر الألمانى «لانج» الفن بأنه مقدرة الإنسان على إمداد نفسه وغيره بلذة قائمة على الوهم، وليس له أى غرض شعورى يرمى إليه سوى المتعة المباشرة.
ويؤكد تولستوى أن الفن ضرب من النشاط البشرى الذى يتمثل فى قيام الإنسان بتوصيل عواطفه إلى الآخرين، بطريقة شعوريّة إراديّة.
معلوم أن التنمية المادية للدول يتم تحقيقها وتفعيلها وفق خطط وآليات تنجز بوتيرة وإيقاع أسرع من التنمية المعنوية للإنسان، لهذا تحدث الفجوة بين الجانب المادى والجانب المعنوى فى المجتمعات، ولعل مداواة هذه الفجوة لا يكون إلا بمراعاة أن ندفع فى اتجاه أن تسير التنمية المادية والمعنوية معا فى سياق متلاحق.
medhatbeshay9@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم