إعداد وتقديم الباحث - عصام عاشور
قال الباحث عصام عاشور، إن الزعيم مصطفي كامل أعد برنامج العمل من الداخل ضد الاحتلال الانجليزي ويتكون من ثلاث مراحل متتالية.
وتابع "عاشور"، خلال برنامجه "الحكاء.. شذرات من تاريخنا" والمذاع على شاشة الأقباط متحدون، المرحلة الأولى: وهى إنشاء مدرسة أهلية خاصة تطبق مناهج صحيحة. المرحلة الثانية: إنشاء جريدة يومية لتكون محور التفاهم بين الحركة الوطنية وأوربا. المرحلة الثالثة: وكانت الهدف الأكبر وهى إنشاء حزب.
لمشاهدة الحلقة اضغط هنا
وأضاف عصام عاشور، فى الجزء الرابع عشر من سلسلة تاريخ الحركة الوطنية المصرية، نعود إذن لتفصيل المرحلة الأولى وهى إنشاء المدرسة فقد سارع عدد من الوطنيين الغيوريين بالتبرع لإقامة المدرسة فكانت "المدرسة الأهلية" التى طبقت مناهج صحيحة حتى يتكون من خلالها جيل جديد مقدام على حد تعبير مصطفى كامل نفسه من أبناء مخلصين لوطنهم يساهمون فى تحريره وفى الرقى به.
وكان مصطفى كامل يقوم بالتدريس للتلاميذ بنفسه ويصحبهم فى رحلات مدريسة وترفيهية.
نجحت المدرسة الأهلية وإنشئت على غرارها عدة مدارس تكفل بها عدد من الأعيان الوطنيين والجمعيات الخيرية.
وكان هذا النجاح هو ميلاداً للحركة التى أصبحت طليعة الحركة الوطنية منذ ذلك التاريخ وهى (الحركة الطلابية).
دفع نجاح المدرسة الأهلية إلى المضى خطوة إلى الأمام .. مما دعا المخلصين فى الإحتفال بعيد جلوس الخديوى إلى الدعوة إلى إنشاء الجامعة الأهلية
وبذلك تهيأ المناخ للبدأ فى المرحلة الثانية وهى إنشاء الجريدة.
ففى 2 يناير 1900 صدر العدد الأول من الجريدة التى حملت إسم " اللواء ".
نجحت اللواء نجاحاً باهراً وفاقت كل الصحف القائمة وأصبحت جريدة كل المصريين وتنفذ جميع النسخ بمجرد صدورها بل ويحفظ المصرييون إفتتاحياتها.
صادرت حكومة الهند البريطانية الجريدة ومنعت دخولها المستعمرات الإسلامية.
أيضاً صادرت حكومة فرنسا التى كانت تعتبر حكومة صديقة الجريدة ومنعت دخولها شمال أفريقيا.
وهنا أطل اللورد كرومر برأسه وأعلن: أن جريدة اللواء تشعل الحرائق.
وأن مصطفى كامل وأتباعه ما هم إلا فئة غوغائية صاخبة ذات دوافع مريبة ومثيرة للشكوك ولا يمثلون سوى أنفسهم وأن كل أرائهم ومقولاتهم مرفوضة ولا تجد آذان صاغية من أحد وأنهم مجموعة من الشباب يطمعون فى الوظائف والمنتاصب التى يشغلها الأوربيون .. لكنى على يقين أن هذا الشباب بتطلعاته المتعجلة لا يدرك مصلحة بلاده.
وتطلع مصطفى كامل بل بدأ العمل من أجل تحقيق المرحلة الثالثة وهى الدعوة لبناء الحزب.
وعند بدأ مصطفى كامل الإجراءات لإنشاء الحزب الذى إتفق على تسميته "الحزب الوطنى".
فكتب اللورد كرومر إلى لندن وقال الكثير وكان فيما قال : إستطاع هذا الشاب الصغير أن يلهب حماس الرأى العام وأن يشعل الحرائق بل وجعل الشعب يعيش فى سلسلة من الأوهام والمطالب الخيالية وآخر هذه المطالب هو بناء حزب وقيام نظام برلمانى كامل على نسق النظام البريطانى وحكومة مسؤلة مسؤلية كاملة ولها السيادة التامة مثل الحكومات الأوربية.
حتى قال أن مثل هذا النظام لو تم فإنه لن يؤدى إلا للفوضى الشاملة .. وإن ذلك لا يعدو أن يكون إلا هزلاً وعبثاً ووهم يستحيل تحقيقه لا الآن ولا فى المستقبل ولا فى أى وقت.
وأكد اللورد كرومر أن الحزب الوطنى المزعوم يدعو إلى الجامعة الإسلامية والولاء المطلق للسلطان العثمانى.
ودعا اللورد كرومر إلى اليقظة والحذر وألا يتم السماح لأى تعاطف مع تللك الأمانى ولا أى تأييد لهذه الحركات شديدة التخلف.
وقال اللورد كرومر أن ما يطالب به مصطفى كامل بإقامة الجامعة الإسلامية التى هى فى جوهرهاتعنى العنصرية والتعصب والرجوع إلى رذائل إنقرضت مثل الرق والإباحية وتعدد الزوجات والعقوبات الوحشية مثل قطع الأيدى والأرجل والرجم بالحجارة وهذه هى الرذائل التى أقعدت الحكومات الإسلامية عن اللحاق بالحضارة وأن تلك الدعوى تتخفى تحت عباءة المطالب الوطنية إلا أن الإثنين شئ واحد يصعب تمييز أحدهما عن الآخر.
وعمل اللورد بعد خطابه إلى لندن على تعبئة الإعلام البريطانى خاصة صحيفة " التايمز " العتيدة ضد كل ما يقوم به مصطفى كامل.
وكان رد جريدة اللواء على ما يقوم به اللورد كرومر وا تنشره الصحف الإنجليزية أن كتبت:
"سوف يقوم عندنا حزب وطنى يتصدره رجال درسوا وتعلموا فى مصر وأوربا وأحاطوا بمطامع وأسرار السياسة الأوربية وأيقنوا أن أوربا لن تقوم بتحرير وطنهم وأن لا أمل فى الخلاص إلا بالإعتماد على أنفسهم وعلى شعبهم ولذلك سوف يقوم حزب وطنى طال الوقت أو قصر وسوف يكون القوة الفعالة المؤثرة ".
وجاء فى خطاب لمصطفى كامل فى نفس الوقت قوله: "سوف نبنى حزباً وطنياً يرد لكل فرد حقوقه فى وطنه وسوف يرشد كل مواطن الفلاح والعامل والتاجر والمثقف .. كل فرد من أفراد الأمة إلى أن للإنسان حقوقاً مقدسة لا يمكن المساس بها وأن الإنسان خلق ليعيش حياة كريمة إنسانية وأن حب الوطن هو أسمى شعور تتحلى به النفس البشرية".
فرق اللورد كرومر تلاميذ ومريدى الشيخ محمد عبده عن مصطفى كامل ومجموعته وإعتبر أن مجموعة الشيخ محمد عبده هم نخبة ممتازة ذات مكانة وسطوة ومواهب ويتكاثر عددهم يوماً بعد يوم وإعتبرهم حزب معتدل يمكن الإعتماد عليه.
لذلك أعلن اللورد كرومر أنه إنتدب مساعده مستر " فندلى " لبناء حزب يضع الشيخ محمد عبده فلسفته التى سوف يحولها فندلى إلى برنامج تجتمع حوله النخبة العاقلة الحكيمة فى مواجهة المتطرفين (ويقصد مصطفى كامل ومجموعته) وأتفق أن يكون أسمه حزب (الأمة).
ورد مصطفى كامل "إن الحزب الوطنى قائم بالفعل وإنه حزب حر شريف متحد الأعضاء ناهض بالأمة إلى مرامى النجاح والفلاح".
وضع الشيخ فلسفة الحزب التى تلخصت فى:
"إن سياستنا مع الإنجليز لا تخلو من أحد وضعين إما سياسة عناد وعداء وإما سياسة مسالمة وإستسلام ولا شك أن سياسة المعاندة عقيمة إذ كيف يقبل المعاند من معانده حساباً على أعماله بل كيف يرجو العدو من عدوه إصلاحاً .. ولهذا لا يبقى إلا سياسة المسالمة والمحاسنة مقرونة بالمحاسبة وأول مظاهر المحاسبة هو المجاملة .. وإن الوقت لم يحن بعد لمناقشة مسألة الإحتلال لأن الإستقلال لا ينال إلا بالتدرلأن الطفرة مستحيلة وعوامل التشبث بها خطرة .. وإن إستقلال الأمم ليس بضاعة حاضرة ولكن نتيجة ضرورية لعمل طويل متعب والثمرة الناضجة لكفاءات مختلفة.. وما أشد طيش الأحلام التى تملأ آذاننا بالطنين.. وأطال حتى كتب.. إذا أردنا الإستقلال حقاً فإن علينا أن نتبع كل الوسائل الشريفة من كتابة ومشافهة وإيفاد وفود وتفهيم وتفاهم وإقناع وكل طريق يوصلنا إلى مقاصدنا بطرق سلمية مرتبة وليس بالإستعانة بمجلس نواب فرنسا أو التوكل على بعض رجال البرلمان الإنجليزى.. واستطرد ليكتب أن الأمة بزعاماتها لا بعوامها وأن العامة فى كل مكان يتبعون هؤلاء الزعماء ... حتى يصل إلى القول إن الأمة تتجاذبها سلطتان الإنجليز المحتلين وبيدهم القوة الفعلية ومن الناحية الأخرى سلطة الخديوى مستظلاً بإسم السلطان العثمانى خليفة المسلمين .. ونقف نحن منهما موقفاً وسطاً.. ليصل إلى القول إن شعار الحزب هو الإعتدال والتدرج والسعى فى التوسع فى إختصاص مجالس المدريات ومجلس شورى القوانين والجمعية العمومية وذلك حتى نصل بالتدرج إلى المجلس النيابى الذى يوافق حالتنا السياسية وحتى يحين الوقت المناسب لمناقشة قضية الإحتلال".