هاني لبيب
هل حقًا هناك مَا يمكن أن نطلق عليه «تيار علمانى فى مصر»؟!.. أشك فى صحة السؤال من الأصل.
دائمًا ما يردد أتباع تيار الإسلام السياسى أفكارًا افتراضية حول عجز النخبة عن تشكيل تيار علمانى، كتيار فكرى متماسك، له ملامح واضحة، وتأثير ملموس فى المجتمع، وهاجموا العلمانية، ووصموها بكثير من المعانى سيئة السمعة.
الجهود الفكرية العلمانية، سواء بشكل فردى أو جماعى، كانت تهدف بالأساس إلى ترسيخ قواعد الدولة المدنية، وهى دولة تطبق منظومة المواطنة، حيث العدل والمساواة ونفاذ قوة القانون والعدالة الناجزة.
لكن ما حدث هو تشويه مُتعمَّد من تيارات الإسلام السياسى لكل ما يتعلق بالعلمانية، وقد وجد رموز هذا التيار المدنى أنفسهم طوال الوقت مُستهدَفين بالتشكيك فى نواياهم وأفعالهم وتحركاتهم، وكذلك التقليل من أفكارهم ومحاولة إلباس هذه الأفكار معانى الكفر والإلحاد، على عكس الحقيقة، للانتقاص من رصيد العلمانية والعلمانيين، فى مقابل زيادة رصيد تيارات الإسلام السياسى، وإظهار أن أفكاره هى أفكار الإيمان، وبالتالى فالعلمانية مصيرها النار، أما صكوك الجنة والغفران فلا يملكها سوى المتأسلمين.
لم ينجح التيار المدنى فى تكوين جبهة فكرية موحدة قوية، إذ يؤمن أصحابه إيمانًا راسخًا بأهمية إعلاء الفرد، ومنحه أقصى درجات حرية الرأى والتعبير، وهو ما يأتى على النقيض من أزمة التيارات الإسلامية، إذ ظلت أسيرة برواز جماعة الإخوان المسلمين رغم محاولات التمويه ومحاولة الإيحاء بأن الصورة مختلفة، وأن هذه التيارات تختلف عن الإخوان، لكن الحقيقة فى النهاية أن الصورة واحدة، والأفكار هى نفس الأفكار، وقد ظهر ذلك بوضوح عند وصول الإخوان المسلمين إلى حكم مصر، حيث تهافتت كافة التيارات- بما فيها مَن صدَّر نفسه باعتباره معارضًا شرسًا مثل حزب الوسط- لإعلان الولاء الكامل لهم.
لقد حاول التيار الإسلامى، ولايزال، خنق التيار المدنى بكافة الأشكال، ولم يقتصر الأمر على ترويج الشائعات ضده والتشكيك فيه وربطه بالكفر والإلحاد، لكن المتأسلمين وصموه بالانحلال الأخلاقى، بينما ألبسوا أنفسهم رداء الفضيلة، وخرجوا للناس فى صورة ممثلى وحافظى الدين، ومنحوا أنفسهم وتيارهم مكانة تتجاوز الأزهر الشريف.
وللتذكير فقط، فإن النخبة المصرية دائمًا ما طالبت بـ«الدولة المدنية المصرية»، فاستغل عناصر التيار الإسلامى الأمر وروجوا لفكرة أن النخبة المصرية تطالب بالعلمانية، ثم اجتهدوا فى تشويه ملامحها، واتخذوها وسيلة هجوم على الدول الغربية، وتناسوا أن العلمانية هى سبب نهضة الدول الأوروبية، وأن نجاح تلك الدول اعتمد على فصل الدين عن الدولة، بحيث يكون لكل مواطن الحرية الدينية دون أن يؤثر ذلك على دوره السياسى وعلاقاته الاجتماعية، وقبل ذلك لكى لا يتم توظيف الدين لتبرير الممارسات السياسية، أو استخدام السياسة فى تحقيق أهداف دينية.
نقطة ومن أول السطر
أزمتنا الحقيقية فى عدم تحديدنا لهويتنا المصرية المستقلة، بعيدًا عن أى تأثيرات أو تدخلات خارجية لطمس صورتنا الحقيقية.
نقلا عن المصري اليوم