شاء قدرى أن أعمل فى مجالات مختلفة على مدار مشوارى المهنى، وأن أعمل فى درجات وظيفية مختلفة جدا جدا.. فى كل يوم أقابل عشرات: عظماء وبسطاء ووقحين ومهذبين.. متواضعين ومتعجرفين! فاشلين يسقطون فشلهم على الآخرين وناجحين ينسبون الفضل لآخرين.. هذه هى حياتى.. شخوص ودروس كل يوم.. لذا أنا أبدو سعيدة بشكل مستفز لمن يعرف حجم ما أعانيه أحيانا كثيرة! الشىء الوحيد الذى يجمع كل هذه الصنوف من البشر هو إجماع الكل على أن الآخرين مخطئون! فى كل مجال تتحدث فيه تجد من لديه الحلول لمشكلات، والتحليل لظواهر، والرصد لعيوب المجتمع الفاسد فى نظره، إنما هو.. خسارة فى البلد دى وبيفكر إزاى يسيبها ويهج!. منهج «أنا بس اللى صح» ترسخ فى أذهاننا بصورة مرعبة، فأصبح التلاقى فى نقطة متوسطة بين فكرتين شاقا ومضنيا ومستحيلا أحيانا. وأسباب وصولنا إلى هذا الحال كثيرة.. من أهمها تعليم حجب عنا لعقود أساليب البحث والنقد والتحليل والعرض اللائق، وإعلام فقد أدواته وصار يصارع البقاء.. صديقة مثقفة قالت لى ذات يوم: «أنا بزهق من الكلام مع اللى مقتنعين بنفس أفكارى، المختلف عنى ممتع أكثر!».
الحوار مع المختلف عنك فى الأصل ممتع وليس من المفترض أن يكون- منعدما أو مستحيلًا- والسبب نظرية: أنا أمتلك الحق! وفى النهاية كلنا خاسرون. فكر معى فى إجابتك على سائح يسألك عن شعب مصر: أى شعب ستصف؟ هل ستصف الرائعين الذين تقابلهم كل يوم وتعيش معهم يومك بحلوه ومره؟ أم ستصف الشارع المرعب الملىء بأنصاف البشر الذين تتمنى لو تعرف من أين جاءوا وكيف تحولوا هكذا! ستصف من يتمنى الخير لمصر إثباتا لصحة اختياره لرئيسه أم ستصف من يتمنى العكس إثباتا لصحة نظريته فى المعارضة!. اختلاف الآراء من المفترض أن يكون نعمة وتنوعا! أما حالتنا الآن فخلافنا «خلاف أفضلية».. خطير لأنه ينتج مجتمعات صغيرة معزولة عن بعضها البعض تستمتع بتأييد من يشبهها وتنكر على من يختلف عنها أى حق أو أى صدق! ديكتاتورية الفرد التى تؤثر على كل الدوائر الصغيرة، فانقذوا أنفسكم وانقذونا.
قف أمام مرآتك الخاصة وقبل أن تقول: أنا جدع، فكر للحظة فربما المختلف كان على حق!.. لماذا يبدو البسطاء أكثر تأثيرا؟.. لماذا يحقق الفيديو المصور منزليا مشاهدات أعلى من تلك الفيديوهات التى تبث من استوديوهات فاخرة؟! أليست تلك المساحة من القرب والواقعية وأن كل شىء ليس نموذجيا تماما!. مصر تمتلك من النجاحات ما يؤهلها لقول كل الحقيقة دون خوف.. لم يعد لدينا ما نخجل منه أو نخفيه.. حتى عيوبنا.. أعتقد أن أوان مناقشتها قد جاء وأن طرحها يجعلنا أجمل. هناك دائما مساحة أن يكون الحق سلوكا وليس شعارا.. أن يكون الخير بالنسبة لك طريقا وامتحانا لقلبك وليس بوستات وتصريحات وإعلانات. فإن كنا كلنا، كأفراد، نعرف طريق الصواب.. فلماذا لا نذهب إليه؟.. وإن كانوا (كلهم وحشين!) فأنت (مش حلو!).
نقلا عن المصرى اليوم