أمينة خيري
قبل أن ينْفَضَّ مولد طفلة المعادى والأستاذ المتحرش والناس «الكيوت» التى تخشى على «الرجل المحترم» من الفضيحة والبهدلة، وبغض النظر عما سيسفر عنه التداول الرهيب لمقطع الفيديو، أود الإشارة إلى عدد من النقاط. ما جرى فى مدخل العمارة يؤكد بما لا يدع مجالًا للهرى أو الهبد أو الرزع أن ما يشيعه البعض من أن «لبس البنت» أو السيدة هو ما يحدد مصيرها فى عالم التحرش فى شوارعنا كان هلاوس، لكنها الآن تستلزم العقاب لكل مَن يتفوه بها. الصغيرة- التى لا يزيد عمرها على عشر سنوات- كانت ترتدى طبقات من الملابس لتحمى جسدها النحيل الصغير جدًا من البرد.
بمعنى آخر، لم تبذل الطفلة جهدًا لإثارة شهوات الرجل المسكين الذى لا يملك من أمر شهواته شيئًا. والقول بأن المرأة عبارة عن عورات ينبغى وأدها تحت طبقات سميكة حتى لا تنشر الفسق والفجور، وأن الرجل عبارة عن مجموعة شهوات غير قابلة للسيطرة لأن «ربنا خلقه كده» ما هو إلا جهالة وقبح ومحاولات لتشبيه الإنسان بالحيوان، رغم أن العديد من الحيوانات يعبر عن شهواته الجنسية بشكل أرقى من ذلك. والقول بأن الرجال والشباب «يا ولداه»- الذين يتحرشون رغمًا عنهم بما تصادف مروره من كائنات أنثوية- هم ضحايا المغالاة فى المهور وزيادة البطالة وضيق ذات اليد هو قول باطل من ألفه إلى يائه. فالأستاذ- بطل الفيديو- وبحسب المعلومات المتوفرة، متزوج، أى غير محروم جنسيًا ولديه أطفال. وأقترح سَنَّ قانون يجرم مَن يحض على تبرير التحرش وتجميل الاغتصاب كأنهما وسيلة إشباع للفقراء والمحرومين.
ولابد من الإشارة إلى رد فعل صاحب المعمل ومعه ثلة من المواطنين الذين لا يرون فى هتك العرض الذى جرى مشكلة تستدعى الشوشرة، بل إن البعض وصل فى فُجره إلى درجة التكهن بأن الطفلة ربما اعتادت التحرش بها، ولو كان ما جرى لها قد أفزعها لهربت أو صرخت!! وهذا يعنى أن المرض المجتمعى صار خطيرًا. ثم نأتى إلى الصور المتداولة للأستاذ بطل الفيديو، والمأخوذة من حسابه على «فيسبوك»، فهو يفخر بوقوفه فى الحرم المكى الشريف، ويتحفنا بحفنة من الصور وهو يرفع يديه إلى السماء ولسان حاله: «شوفتونى وأنا مؤمن ومتدين؟»، وللإخوة الأفاضل الذين مازالوا يتمسكون بتلابيب ذابت وتهلهلت دفاعًا عن دين لم ولن يهينه أحد، أقول إن هذا تحديدًا هو النموذج الشائع فى صرعة التدين التى صرعت مصر منذ سبعينيات القرن الماضى. إنه التدين المظهرى البحت.
إنه التدين القائم على عذاب القبر ولبس المرأة وفقه النكاح وقواعد دخول الحمام وحتمية مقاطعة أو معاداة أو قتل المختلف. ودون أدنى مبالغة، نحن فى خطر أخلاقى بالغ. تدنت الأخلاق كثيرًا، وتضخمت المبررات المجرمة كثيرًا، وتوغل خطاب دينى لا يعنيه سوى شكل المؤمن كثيرًا، وبُحَّت أصواتنا كثيرًا مطالبة بالإنقاذ.
نقلا عن المصري اليوم