محمود العلايلي
ما بين الاهتمامات المتباينة على صفحات التواصل الاجتماعى، نجد أن الغالب عليها ما يطلق عليه «الترند»، أى الموضوع الذى يحوز أكبر نسبة من الاهتمام، ومن ثم نسبة كبيرة من المتابعة، ولا يقتصر موضوع انتشار«الترند»على أهمية المحتوى فقط، ولكن يعتمد أيضا على المدونين المؤثرين أو الشخصيات المشهورة ولهم عدد كبير من المتابعين الذين يتلقون ما ينشره هؤلاء ثم يقومون بدورهم بإعادة نشره، وهى الدورة التى تصل بـ«الترند» إلى مداه خاصة إذا تم تناوله بالمناقشات المثيرة والتعليقات الساخرة أو «الجارحة» من المتابعين، ومن أهم ما يميز هذا النوع من الترندات هو التخصص إلى حد بعيد، فالمتابعون إما يبحثون عن المدونين الذين يهتمون بما ينشرون، أو أن تقنيات الذكاء الاصطناعى على هذه المنصات تبث ما يهم كل مستخدم بحسب اهتماماته وأولوياتها، فتجد لكل فرد ترتيبا محددا على المنصة بحسب ما يجذبه أو يهتم به ولا يكاد هذا الترتيب يتكرر إلا نادرا بين الأفراد المتماثلين فى الجنس والمرحلة العمرية والميول الأدبية أو الرياضية أوالفنية والتوجهات السياسية والاقتصادية.
وبالرجوع إلى صفحات منصات التواصل المختلفة على مدار الأسبوع الماضى بعد أفول موضوع الشهر العقارى، نجد سطوع الاهتمام بحديث السفير السعودى السابق فى مصر عن انتخابات الرئاسة المصرية، وما أثاره عن جزيرتى تيران وصنافير، ثم علا الاهتمام بنتائج مباراتى دور الستة عشر فى بطولة إفريقيا للأبطال، والتى كان أطرافها فريقى الأهلى والزمالك والنتائج المخيبة للفريقين، بالإضافة إلى التعليقات على تصريح وزير الشباب بمنح نادى الزمالك حوالى 100 مليون جنيه على مدى الثلاثة أشهر الماضية، ثم توالى النشر على أوسع نطاق لرسم الخمسة جنيهات على العديد من الخدمات والطلبات وما اعتبره المتابعون محاولات للنيل من جيوب المواطنين بأى طريق، إلى أن وصلنا للترند الأوسع انتشارا للرجل الذى تم ضبطه وتصويره وهو يهم بالتحرش بطفلة فى «بير» سلالم إحدى العمارات، وكم الاستهجان والاحتقار للرجل والمطالبة باتخاذ أقصى عقاب تجاهه، وخاصة أن صفحته الشخصية قد امتلأت بصوره فى الحج والكثير من الآيات والأدعية الدينية، مما أثار مجموعة كبيرة من المتابعين الذين انتقدوا هذا الازدواج أكثر من استهجانهم الفعل نفسه.
ومما سبق يتضح أن الضغط على منصات التواصل من المستخدمين طالما أدى إلى تطبيق أنظمة أو قوانين، وكثيرا أيضا ما أدى إلى إلغاء بعضها أو وقف العمل به، بالإضافة إلى الترويج لشخص أو لسلعة على جانب، أو إدانة شخص والحط من شأن آخرين على جانب آخر، فى توضيح مباشر لأهمية دور هذه االمنصات فى توجيه الرأى العام، والأهم هو الجانب الخصوصى فيها بالتوجيه لمن يستهدفهم التوجيه، وبينما لا يخفى ما فات على أى مهتم بالإعلام وصناعته، ولا يخفى على كل مهتم بترويج نفسه أو عمله أو بضاعته، وفى الوقت الذى ينتشر فيه هذا النوع من الإعلام الذى يختلف عن الإعلام التقليدى- بالإضافة لما سبق- بأنه تفاعلى، حيث يعبر المستخدم عن رأيه فى أى موضوع بشكل مباشر، نجد أن الدولة مازالت منشغلة بتطوير القناة الأولى وتحديث ماسبيرو!، والألطف أن الدولة مازالت تعتقد أن الإعلام البديل هو الاستثمار ببذخ فى محطات تليفزيونية أخرى غير التليفزيون والإذاعة الرسميين، تقدم مادة إعلامية شبه رسمية، اعتقادا أن ذلك قد يكون جاذبا لقطاع معين قد ينطلى عليه ذلك الاختلاف- الساذج- عن إعلام الدولة الرسمى، فى الوقت الذى فقدت فيه أجيال كاملة الانجذاب لهذا الإعلام لصالح منصات التواصل، بل إن هناك أجيالا لم تتعاط مع الإعلام التقليدى أبدا إلا باستخدام محتواها كمادة للبث على للمنصات لإثارة الاهتمام والتعليق عليها أحيانا، أو لانتقادها أحيانا أخرى، أو للسخرية منها فى غالبية الأحيان.
نقلا عن المصري اليوم