مراد غبور
شرف العمارة يراق على جوانبه الدم !!، صرخوا صرخة رجل واحد ، صاحب العمارة والجيران ، إقتحموا شقة سيدة حي السلام والتي كان بها رجل ،وألقوا بها من البلكونة إنتقاماً لحيائهم الذي خُدش ،وبكارتهم التي هتكت ، وأخلاقهم التي إنتهكت ، الأعجب أن البعض قد ترك تلك الجريمة الكارثة وأخذوا يبررون بتضارب التفاصيل ، يقولون السيدة ممرضة وليست طبيبة ، الرجل الزائر كان عامل أنابيب بوتاجاز ،
كان هناك خلاف على الشقة، هي التي ألقت بنفسها من البلكونة ....الخ ، ياسادة المهم أنها إمرأة وحيدة مستقلة إستفزت غدة وصاية هؤلاء البلطجية ،لاتهم وظيفتها ، المهم أنهم إقتحموا شقتها الخاصة،فيها عامل بوتاجاز أو فيها مهندس بترول لايهم ، هناك خلاف على الشقة أو إتفاق لايهم ، فالمهم أنهم قد حشروا أنفسهم فيما لايعنيهم وإستخدموا قضية الشرف في التغطية على هذا الخلاف إن وجد ، بدليل أن القتلة طلبوا تصويرهما عاريين ،حتي يمنحوا القضية طعم الثأر للشرف وحماية الأخلاق ،فيستطيعون تمريرها للناس وتبريرها للمجتمع الذي تنتفض عروقة إذا كانت الجريمة فيها تاء تأنيث ، ألقت بنفسها من البلكونة أو رموها هؤلاء الضباع ، المهم أن الخوف والترويع كان هو الحاكم والمحرك ،
وأنها من المؤكد لو كانت قد ألقت بنفسها من البلكونة فهي لم تكن تؤدي نمرة في السيرك ،بل هي مجرد إنسانة من الفزع والرعب وشراسة حماة الفضيلة لم تجد حلاً إلا بالموت إنتحاراً بدلاً من الموت ذبحاً!! ، المهم ليست التفاصيل البوليسية التي تهم ضابط القسم كاتب المحضر ، المهم الدلالات الاجتماعية لهذا الحادث المروع الذي يكشف الغطاء عن نفاق ديني كارثي ، وإزدواجية أخلاقية سرطانية ، ولعب إجرامي بمعنى الشرف ناتج عن تعمد شرير أو جهل فاضح أو تجارة رائجة ، صاحب العمارة من الممكن أن يبني على أرض زراعية ويظل شريفاً في نظر المجتمع والناس، ويرتفع بأدوار مخالفة ويظل شريفاً ،ويسرق كهرباء السلم ويظل شريفاً مادام قد بنى زاوية أسفل العمارة ووضع الميكروفونات على البلكونات ليسمع السكان الآذان ،
فالشرف قد حصره الناس في مجرد غشاء ، وإختزلوه في تاء تأنيث ، شرف العمارة لم يخدش بسبب الموبقات والمخالفات التي يفعلها بعض أصحاب العمارات ، لكنه يهدر ويضيع عند قدمي امرأة فتحت الباب لرجل ، الحشرية وإقتحام الخصوصية ووسواس الهداية وأن أكون مطوعاً ،ورهاب المرأة وأن تكون على كتالوجي ومقاس باتروني الأخلاقي ، كلها صارت سمات وملامح مجتمع بات يمارس الوصاية وإقتحام الخصوصية بكل بجاحة ووقاحة ، والأخطر أنه يستخدم لافتة الدين والنهي عن المنكر كمبرر وستار وأداة إقناع وتنفيذ ، يقتل ويلقي بإمرأة من شرفة شقتها وهو مستريح الضمير أنه قد أدى فرضاً دينياً !!، لو كانت السيدة نافقت التيار وألبست الرجل نقاباً ، لكانت العمارة الفاضلة المقدسة قد إحتفت به وإحتفلت طرباً وهو يدخل الشقة!!،
يظل الرجل شريفاً عندنا ولو سرق أو إرتشى أو مارس أخطر وأقذر أنواع الفساد ، وتظل المرأة ملعونة تحمل ترمومتر قياس الشرف الذي يلتهب ويرتفع زئبقه حتى يتبخر ،إذا نظرت أو ضحكت أو مشت أو غنت أو رقصت ، هنا لابد أن تشهر السيوف ويراق الدم على جنبات المذبح المقدس ،وتقدم المرأة قرباناً لصنم النفاق الديني ،وغزلاً عفيفاً لآكلي البشر من الزومبي ، شرطة المطوعين صارت من الماضي السحيق للبلاد التي أنشأتها ، وبرغم ذلك كانت محدودة العدد ، فهل سنتحول جميعاً من مواطنين إلى مطوعين بمساحة الوطن؟!، وهل سيتفرغ المواطن ليصبح جاسوساً على جارته ؟، هل سنحتشد في العموم لمراقبة غرف النوم ؟!،
هل سنترك تلك الطفيليات والنفايات البشرية تمارس البلطجة على خلق الله من منطلق أنهم حكام الضمائر ومفتشو النوايا ؟،لابد أن نتعلم أن السكن الخاص له حرمة وخصوصية كالجسد تماماً ، ممنوع إقتحامه تحت أي ظرف من جار أو صاحب عمارة أو بواب عقار ، إلى متى ستظل المرأة هي لوحة التنشين الجاهزة لكل المكبوتين والمعقدين نفسياً والمحرومين جنسياً والمشوهين إجتماعياً ؟، متى نكف عن التبرير للقتلة أو المتحرشين للحفاظ على رونق مجتمعنا الذكوري ؟،كنا نتخيل أن الإخواني الذي ألقى بالطفل من عمارة سيدي جابر قد تخلص منه المجتمع بالإعدام ، لكن المزاج الإخواني مازال حياً ومسيطراً على الكثيرين ،فليس المهم الشخص الذي يحمل كارنيه الإخوان ، ولكن الأهم هو المزاج الذي يفرز كل يوم داعشيين جدد لايرفعون الرايات السوداء المعروفة ، ولكنهم يرفعون رايات الأخلاق الزائفة التي صارت للأسف مألوفة.