سليمان شفيق
تقترب انتخابات النقابة والصحافة في اسوء احوالها بين الفقرالذي يفرض الحاجة للاغلبية للبدل ، وظهور جيل ممن يصطلح علي تسميتهم بالقادة تربوا من كتبة التقارير فتحولوا من مخبرين الي صحفيين ، واتجاة تحول الي عبيد وسماسرة لكفلاء في الخليج او في مصر تحت رعايتهم .
صحافة ورقية تكاد تندثر وصحف قومية مديونة ومعرضة للاحتضار ، واندثار للتربية الصحفية المبنية علي حرية الضمير ، وخروج من مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير الي من أجل حق العمل والبدل واي طريق للعيش الكريم ، وغروب لشمس حرية التعبير نحو ليل بلا قمر. في مثل هذة الظروف من المفترض ان تجري الانتخابات وهناك شباب وشابات كان يمكن ان يكون لهم اثر كبير في تطوير المشهد . اننا بصدد معارك سوف تندلع ضد النقيب من جهة مثل الضغوط التي سوف تمارس علية للتخلي عن اعارتة في هيئة الاستعلامات ، وسيصير الصحفيين في موقف لايقل صعوبة عن سنة 1993 القانون 91 لسنة 93 ، في وقت نحتاج الي كثير من الصراع مع في قضايا مثل الحريات والفصل من جهة ، وفي نفس الوقت سوف يكونون في اشد الاحتياج للحكومة من اجل البدل والمساعدات في المجالات الحياتية . اثق ان الزميل ضياء رشوان سوف يقف مع الجماعة الصحفية مثلما وقف الراحل الكريم ابراهيم نافع مع الجمعية العمومية حتب تم الغاء قانون اغتيال الصحافة 1993، واثق ان المجلس لن يتهدد بالفشل من قبل الانقسام ولكن كل ذلك يحتاج لان يلعب النقيب ضياء رشوان دور الاب ، وان يلعب اعضاء المجلس ادوارا ايجابية ، وان يخلع الجميع ثياب المصالح والسياسة خارج النقابة قبل الدخول ، ننتظر مؤتمرا لمواجهة التحديات ، وتشكيل رؤية علمية مهنية موضوعية لذلك . ولكن يعز عليا انني لم اجد اي صوت من اباء وامهات المهنة يكتب عن تلك الهموم قبل الانتخابات ،بحثت عن أمينة شفيق وماجد عطية وجلال عارف وفريدة النقاش ، ونبيل عبد الفتاح ، ومن تواروا خلف القبور من العظام مثل رجائي الميرغني وابراهيم نافع وحسين عبد الرازق وصلاح عيسي فلم اجدهم ، لا انكر انني اخاف الفيروس اللعين ولكني سوف اذهب حتي اري جموع الصحفيين الجدد لكي اشعر بأن عمري لم يذهب هدر.
في مثل تلك المحافل تتجدد الأحزان، ودائما يبرز إلى ذاكرتى أساتذة علمونى الصحافة، قادتنى ذكرياتى، وكيف كان صلاح المعلم الأول، رغم أنى من جيل جاء إلى المنيا للقاهرة لكى يتعرف على النضال الاجتماعى والسياسى فى زمن كانت فية الثقافة هى الصلاة لله من أجل ألا يستغل الإنسان أخاه الإنسان، كنت قد غادرت منظمة الشباب، بعد أن أدركت أن للحياة مدارس أخرى.
كان اللقاء الأول مع صلاح عيسى فى نهاية عام 1969 حينما أعطانى أحد الرفاق مجلة الحرية، وبها مقال لصلاح، تحت عنوان «تجربة ثورة 23 يوليو بين المسار والمصير»، بعدها دخل صلاح عيسى المعتقل المرة الأولى عام 1966، كان صوته هو الأول فى نقد ثورة يوليو، شاب يبلغ من العمر 25 عاما، يكتب فى سلاسة وهدوء ومنهجية مقال كنا نتداوله فى صمت وحذر، حينذاك لم تكن لدينا ماكينات تصوير، وكان المقال مكتوبا مرة أخرى بخط يد الزميل الغائب فارس فوزى رحمة الله عليه، لم أكن قد قرأت إلا «البيان الشيوعى»، ورواية «الأم» لمكسيم جوركى، إلا أن كتابات صلاح عيسى جعلتنى دائما أعتبره هافل وفلاسوف الشاب الذى بدأ بالتخطيط لإنقاذ العمال
وظللت أحلم باللقاء حتى التقينا فى حفل بجامعة القاهرة 1972، تقابلت مع قادة كبار كثيرين، ولكن هذا الشاب النحيل الذى تطل من بين عينية كل آفاق العالم الجديد لم أنبهر حتى اليوم بأحد غيره، وارتبط به وكنت أزوره فيما بعد بمكتب له بشارع الجمهورية وسط القاهرة. كنت أجلس وأستمع إليه، وأتأمل كتاباته فى وعى، ونمت العلاقة أكثر فأكثر بعد الإفراج عنه عقب اعتقاله فى انتفاضة يناير 1977
وفى 1979 صدر له أول كتبه عن «الثورة العرابية» ذلك الذى وصفه الراحل رفعت السعيد بأن صلاح عيسى: «فخر مورخى جيلنا»، وتلته عشرون كتابا أخرى، ولكن يظل هذا الكتاب نقطة تحول لإدراك أجيال كثيرة للثورة المصرية وأحمد عرابى وما زال صالحا حتى الآن لأجيال جديدة لا تعرف معنى العسكرية المصرية
من صلاح تعلمنا القراءة والكتابة والضحك والسهر والسخرية وعشق الحياة، حتى حينما تحول إلى رئاسة تحرير «القاهرة» الحكومية، زرته فى مكتبه وكان يكتب خلفه «جئت إلى الدنيا لكى أعترض» لمكسيم جوركى، هذا هو صلاح عيسى الذى علمنى أن أكون إنسانا لكى أقرأ أو أكتب أو أعيش أن أحترم الحياة وأرغب فى تغييرها دون أن ترانى الحياة أبحث عن مصلحة من حاكم أو محكوم.
من صلاح عيسى إلى واحد من أبرز أساتذتى، أستاذى فيليب جلاب، ذلك الضاحك الباكى، رئيس تحرير الأهالى 1988/1990، كاتب العمود الساخر «دبوس»، ومن مؤسسى حزب التجمع، ورغم أننى بدأت عملى الصحفى منذ 1976 فى نشرة التقدم التى كان يرأس تحريرها نقيب النقباء حسين فهمى مع نخبة من شباب الحزب ومنهم الزميل محمود حامد، فإننى لمعت صحفيا مع ترأس فيليب جلاب للأهالى، وقدمنى صحفيًا ونجحت فى حملات، أشهرها كشف تزوير انتخابات د. حمدى السيد نقيب الأطباء الأسبق فى دائرة مصر الجديدة، وعودته للبرلمان، وغيرها. علمنى أستاذى دقة المعلومات وعدم إلقاء التهم جزافا على خلق الله، كانت الصحافة حينذاك صناعة ضمير وليست صناعة رأى عام فقط، ترأس مجلس إدارة الأهالى فرسان من أعضاء الضباط الأحرار «خالد محيى الدين ولطفى واكد» ومن أبرز مؤسسيها وكتابها: محمد عودة، عبدالغنى أبوالعينين، عبدالمنعم القصاص، سعد هجرس، حسين عبدالرازق، محمد سيد أحمد، صلاح عيسى، محمود المراغى، سعد الدين وهبة، فريدة النقاش، أمينة شفيق، نجاح عمر، حسين شعلان، يوسف القعيد، جمال الغيطانى، من كل هؤلاء رضعت المهنية والوطنية.
كانت الصحافة مهنة الفرسان وليست مهنة من لا مهنة لهم، كان جيلى: محمود حامد، أحمد عز العرب، أمينة النقاش، أحمد إسماعيل، مصباح قطب، محمود الحضرى، مصطفى السعيد، عمر أحمد عمر، حامد العويضى، أحمد عبدالتواب، بهيجة حسين، أحمد سيد حسن، أحمد الحصرى وعبدالرحيم على، وغيرهم، كل هؤلاء كان نقباؤهم: «حسين فهمى، حافظ محمود، كامل زهيرى» كوكبة من صناع الضمير وتلاميذهم يقودون مشاعل التنوير والوطنية والمهنية، تعلمت من أساتذتى وزملائى أن القلم صوت الضميروليس كما يحدث الان ان تحول القلم الي عصا للتعذيب او عبد معاصر للكفيل او سمسار صغير لدي اصحاب رؤوس الاموال مثلما يحدث الان بحيث اصبحت احسد من رحل من الاباء العظام دون ان يصيبة فيروس الفساد.