تحاصرنا وسائل الإعلام المختلفة بصور نموذجية عن أجساد الرجال والنساء، إذا لم نكن نمتلك الثقة والوعي الكافيين يمكن تؤثر هذه الصور علينا سلباً.
هل تذكرين هذه الخالة التي تحملين هم زيارتها إلى بيتك لأنها تمارس عادتها في السخرية من مظهرك، إذ تلقي تعليقات مثل:
"شعرك وحش، مش حلو زي مامتك".
"انتي طالعة تخينة كده لمين".
وهل تذكر هذا العم الذي علق دوماً على لون بشرتك وحجم أنفك، ويستنكر وزنك أو طولك.
هذه التعليقات جزء من سياق مجتمعي، يتم الحكم فيه على الناس بشكل أجسادهم ومدى جاذبيتهن. من الناحية التاريخية والثقافية كان الضغط أكبر على النساء في هذا الشأن، ولكن مؤخراً امتد هذا الضغط ليشمل الرجال أيضاً.
السوشيال الميديا، البرامج التلفزيونية، المجلات، الإعلانات، كلها تخبرنا بما يجب أن يكون عليه جسدنا، وتحصرنا في شكل معين لما هو مرغوب.
هي مثلاً تصدِّر لنا فكرة أنه لا بد أن تكون المرأة نحيفة skinny، إذ يعتبر هذا مثال الجمال، ولا بد أن تكون عضلات الرجل بارزة، كدليل على الذكورة. وهذا يترك انطباعاً داخلياً لا شعورياً أن خلاف ذلك غير مرغوب وليس جذاباً.
إلى أي مدى يفكر الناس في شكل وصورة أجسادهم، وما مدى قبولهم لشكل أجسادهم، وما تأثير ذلك على العلاقات العاطفية بشكل عام والحياة الجنسية بشكل خاص؟
نقص الثقة
قد تنظر إلى صورة جرى التقاطها لك وتتأملها، من الطبيعي أن تلحظ التغيرات الطبيعية التي حلت بوجهك أو جسدك، ولكن عليك أن تعرف أنك في بداية مشكلة لو ردد صوتك الداخلي مثل هذه الأفكار:
لقد ظهرت تجاعيد في وجهي، لقد كبرت في السن، لم أعد جميلة، لست سعيدة بمنظري.
الكرش، لن أسعى للارتباط حتى أتخلص منه، لا يمكن لفتاة أن تعجب بي.
توجد دهون واضحة، لا أستحق أن يعجب بي أحد، لا يمكن أن أمارس الجنس ويرى شريكي كل هذه الدهون.
هناك الكثير من الأشخاص الذين يستحوذ على تفكيرهم/ن شكل أجزاء من جسدهم/ن. ومن المحزن أن تقاس درجة الرضا عن النفس والشعور بالاستحقاق والثقة بالنفس بناءً على المظهر الخارجي للجسد.
للاطلاع على المزيد: سبع نصائح لزيادة الثقة بالنفس
خلال عملي بالعيادة النفسية تأتي العديد من الحالات المشغولة بصورتها عن نفسها.
أذكر فتاة أخبرتني أنها تقضي وقتاً طويلاً من اليوم وهي تنظر إلى المرآة، تنظر إليها عشرات المرات يومياً، وتضايقها تفاصيل صغيرة في جسدها، وهي تفاصيل لا تعتبر ملحوظة بالنسبة لأي شخص آخر غيرها.
امرأة أخرى كانت ترفض ممارسة الجنس مع شريكها والنور مضاء، تصر على إطفاء النور كي لا يرى جسدها، هي تعتقد أن ثدييها وردفيها صغيران وأن هذا الأمر سيضايق شريكها، رغم أن الشريك لم يشكُ من هذا الأمر.
وأتذكر شخصاً كان يفكر كثيراً في وزنه لدرجة أنه قد يرفض الذهاب لشراء ملابس جديدة أو السفر إلى الشاطئ، مما يؤثر على استمتاعه بحياته.
وتأتينا الكثير من الاستشارات يكون محتواها أن الشخص يرى قضيبه صغيراً برغم أنه في متوسط الحجم الطبيعي ويكون قلقاً جداً أن حجم قضيبه غير كافٍ للممارسة الجنسية، وفي بعض الأحيان يرفض هذا الشخص الارتباط والدخول في علاقة عاطفية بناءً على تصوره أو رؤيته لجزء من أجزاء جسده.
هذا التفكير المبالغ فيه تجاه صورة الجسد يجعل الرغبة في ممارسة الجنس أقل ويحول دون الاستمتاع بالممارسة الجنسية والوصول للنشوة، هذا بخلاف تأثيره على حياتك الاجتماعية والاستمتاع بحياتك بشكل عام.
معتقدات خاطئة
هناك عاملان أساسيان يؤثران في رؤية الفرد لجسده أو صورة جسده:
1. الصورة الذهنية لديَّ عن جسدي
نُكوِّن صورة ذهنية عن أجسادنا عن طريق حاسة البصر أولاً، أي النظر إلى الجسد.
ثم نفسر ما نراه بناءً على خبراتنا السابقة وتعليقات من حولنا وآراءهم على شكل جسدنا وخاصة الدوائر القريبة من الأهل والأصدقاء، مثلاً تعليقات الأم السلبية على شعر ابنتها ولون بشرتها ووزنها، وتعليقات الأصدقاء على نحافة صديقهم أو صلعه.
بالإضافة إلى المعايير التي نشاهدها على الشاشات. وبالتالي نتوصل إلى استنتاجات قد تكون خاطئة.
2. اعتقاداتي واستنتاجاتي عن كيف يراني الشريك/ة
في كثير من الأحيان تعتقد الفتاة أن شريكها لا يراها جذابة، في حين أنه يخبرها أنه معجب بها وبجسدها ويراها جذابة جداً.
إذا كانت رؤيتي لجسدي سلبية وأركز على عيوب صغيرة سواء موجودة أو متخيلة، فسوف أُصدِّر هذه الرؤية لغيري وسوف تظهر في تصرفاتي وحديثي وانفعالاتي. وكأنني أخبر شريكي/تي بأن يرى/ترى ذلك وأن يخبرني أني غير جميل/ة.
اضطراب التشوه الجسمي
منذ حوالي قرن من الزمان، وصف العالم النفسي الشهير إيميل كريبيلين "Emil kraepelin"، هذا الانشغال والتفكير الزائد في صورة جزء من أجزاء الجسد وأطلق عليه اسم dysmorphoohobia.
توهم البدانة
وكتب العالم النمساوي سيجموند فرويد عن رجل لديه قلق شديد تجاه شكل أنفه.
وفي الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية يوجد تشخيص يسمى اضطراب التشوه الجسمي "body dysmorphic disorder".
هذا التشخيص لم يُدرس جيداً في الطب النفسي لأن المرضى في الأغلب يلجأون إلى أطباء الجلدية وجراحات التجميل على الفور قبل اللجوء للعيادات النفسية.
ويعتمد تشخيص الاضطراب على الأعراض التالية:
التفكير المفرط والانشغال الزائد بوجود عيب أو عيوب في شكل الجسم أو معالمه.
هذه العيوب تبدو بسيطة لا يلاحظها الآخرون، وقد تكون متخيلة وغير موجودة على الإطلاق.
الاعتقاد أن الآخرين يلاحظون هذا العيب ويعلقون عليه.
هذا القلق الزائد يؤدي إلى سلوكيات قهرية مثل كثرة النظر في المرآة لساعات يومياً، التنظيف المتكرر القهري، المقارنة بالآخرين، الإفراط في استخدام مستحضرات التجميل، محاولة إخفاء العيب، تجنب أخذ الصور الفوتوغرافية.
في بعض الأحيان يؤدي إلى إجراء جراحات تجميلية دون داعٍ.
لا بد أن تؤدي هذه الأعراض إلى قلق وضيق شديدين، وتدهور في الحياة الاجتماعية مثل تجنب المواقف الاجتماعية وتجنب العلاقات، وتدهور في الحياة الوظيفية أيضاً حتى يتم التشخيص.
في كثيرٍ من الحالات يصاحب تشخيص اضطراب التشوه الجسمي اضطراب الاكتئاب، واضطرابات الأكل.
ما الذي يمكنني أن أفعله تجاه التفكير المفرط في صورة الجسد؟
البُعد عن الصورة النمطية والمثالية للجسد في الميديا، علينا أن نعرف إن نجوم الميديا دائماً ما يظهرون أجمل مما هم عليه بسبب التدخلات الفنية في الوسائط المختلفة.
النظر إلى الجسد بشكل أوسع وأشمل ورؤية الأجزاء الجميلة.
تذكر أن معايير الجمال تختلف مجتمعياً من وقت لآخر، وتختلف من شخص لآخر.
تذكر أنه لا يوجد جسد مثالي، وأن كل جسد له جاذبيته.
تجنب المقارنات، واستمتع/ي بجمال جسدك الخاص.
لا يمكن تغيير الجينات التي تؤثر بشكل كبير على شكل الجسد، ولكن يمكن تغيير المعتقدات الخاطئة تجاه رؤيتك لجسدك.
لا تجعل/ي استقبالك لشكل جسدك محوراً لشعورك بالاستحقاق والثقة بالنفس.
حاول/ي التقاط صوت الناقد الداخلي، والوعي به، هذا الوعي في حد ذاته سيضع هذا النقد الذاتي داخل حدوده، مما سيساعدك على التركيز على الممارسة الجنسية.
تصديق الشريك عندما يخبرك بأنه يراك جميلة وجذابة.
وأخيراً علينا أن نقدم نصيحة صغيرة للأهل: بدلاً من التعليق بالسلب على وزن ابنك أو ابنتك، يمكنك أن تعرض/ي عليه وتقدم/ي له أنواعاً مختلفة من الطعام الصحي، أو تشجعه/تشجعيه على ممارسة الرياضة بطرق مختلفة.
وبدلاً من التعليق على شعره أو شعرها، يمكن أن تقترح/ي عليه/ا تسريحة أو قَصة قد تكون ملائمة بالنسبة له/ا.
أي لا تُظهر/ي الأمر على أنه مسألة جمال وقبح، بل اشرح/ي كيفية أن تجعل/ي مظهره/ا أفضل.
ويفضل تجنب تقييم أجساد من حولنا على أنه جيد أو غير جيد، وتعليم الطفل على أن كل جسد له جاذبيته وجماله ويستحيل أن نمتلك جميعنا نفس شكل الجسد.
وإذا تعرض ابنك أو ابنتك للتنمر بخصوص شكل جزء من أجزاء جسمه، استمع/ي إليه وتفهم/ي مشاعره وكن/كوني داعمة له.
قد تعتقد/ين أنك إذا لم تظهر/ي المشاكل الموجودة في جسد ابنك أو ابنتك أمامه سيتعرض لتلك التعليقات في الخارج، ولكن المهم أن تكون/ي مصدر دعم لابنك أو ابنتك.
يكتسب الطفل ثقة في نفسه من تعليقات والديه وتربيتهما، وقد تتعزز هذه الثقة عندما يواجه الحياة خارج الأسرة أو تهتز، ولكن في حالة كان يتلقى الدعم الأسري المناسب، لن يتأثر كثيراً من أمثال هذه التعليقات الخارجية.
أما إذا أدى الانشغال بشكل الجسد إلى تدهور الحياة الاجتماعية والوظيفية. فمن الضروري الاستعانة بالطبيب/ة النفسي/ة للمساعدة، وتوجد الكثير من العلاجات الدوائية والنفسية الفعالة في هذا الشأن.