هاني لبيب
تذكرت ما كتبته فى مايو 2018 عن المصالحة المزعومة مع جماعة الإخوان الإرهابية، بعدما قرأت مقال كرم جبر بعنوان «لا تصالح ولا تسامح»، إذ أتفق مع ما جاء به. وأؤكد على ما طرحته سابقًا عن وجود محاولة لترويج فكرة خاطئة، وهى وجود نية للقيام بمراجعات فكرية لبعض المتهمين المنتمين إلى جماعة الإخوان فى قضايا إرهابية، بل وصل الأمر إلى الترويج لاختيار 6 قيادات شبابية تقوم بتلك المراجعات المزعومة داخل السجون، وهو طرح يتجاهل بعض الحقائق، ومنها تحوُّل المنتمين إلى جماعة الإخوان سواء تنظيميًا أو حركيًا من مساحة الاختلاف الفكرى والسياسى إلى مساحة استخدام العنف والقتل والاغتيالات والتفجيرات لإرهاب المواطنين المدنيين المصريين أو للنَّيْل من رجال القوات المسلحة والشرطة المدنية والمؤسسات القضائية، ومن هنا تجاوز الأمر علاقة تلك الجماعات بمؤسسات الدولة إلى أزمة ضخمة جدًا بينها وبين الشعب المصرى. كما أن العديد من القيادات الإرهابية سواء الموجودة داخل السجون أو الهاربة خارج البلاد حرّضت ومازال بعضها يحرض على استخدام العنف، وتؤكد أنها لن تتوقف حتى تسترد السلطة مرة أخرى لإحياء دولة الخلافة المزعومة حسب معتقداتها.
الأصل أن فكرة المراجعات تحتاج إلى حسابات معقدة لكى لا يتم تجاهل أو جرح كل مَن فقد ابنًا أو زوجًا أو أبًا بهذه البساطة، وبعد أن شاع الحزن فى غالبية العائلات المصرية، بعد استخدام المتطرفين أبشع أساليب القتل والقنص والنحر والحرق لكل مَن يخالفهم الرأى، وكذلك بعد أن وصل بهم الأمر إلى انتهاك حرمة دُور العبادة ليس فقط فى تفجير الكنائس، بل المساجد أيضًا. لقد ثبت بعد مرور عدة سنوات على تجربة المراجعات الفكرية السابقة.. فشل تلك التجربة من حيث المصداقية والممارسة العملية، وتبين أنها بمثابة خدعة إعلامية لتحقيق مكاسب اقتصادية للجماعات الإرهابية للحفاظ على مساحة الوجود فى الإعلام والمجتمع.
نحتاج إلى التوقف كثيرًا- دون أى تعميم- أمام مَن يزعمون أنهم انشقوا عن جماعة الإخوان الإرهابية، ويُصدِّرون أنفسهم باعتبارهم «مُنظِّرين» عليهم، فخدعة حزب الوسط وخلافه مع الإخوان ليست ببعيدة، حيث أثبت القائمون عليه أنهم كانوا الأكثر ولاءً وانتماء إلى الجماعة الإرهابية رغم ترويجهم المكثف للخلاف معهم لحد التشهير بهم والنميمة عليهم.
تتسبب مثل هذه الشائعات فى خلق حالة بلبلة وارتباك وانشقاق وفقد ثقة بين المواطن المصرى والدولة لأنه الأكثر تضررًا، سواء بسبب فقد عزيز لديه أو لحالة عدم الأمان التى حاولت تلك الجماعة تصديرها والترويج لها لخلق صورة ذهنية غير حقيقية عن قوتها الافتراضية.
فى اعتقادى أن المراجعات الفكرية الحقيقية ليست للمتهمين فى السجون على ذمة قضايا إرهابية لأن نتيجتها المتوقعة هى المراوغة السياسية والدينية، وفى نهاية الأمر «الدنيا أحلى من الجنة»، وما يحتاج إلى مراجعات حقيقية هو الفكر الدينى، وما نحتاجه حقيقة هو تجديد الفكر الدينى.
نقطة ومن أول السطر..
فى زمن الحروب.. كان التتار يرتدون ومعهم أحصنتهم أقنعة وملابس ضخمة توحى بالقوة والتضخيم لإرهاب العدو قبل المواجهة المباشرة، وهو ما نجح فى كثير من الأحيان بسبب الرهبة والفزع من تلك الملابس.. رغم أنها مجرد صورة للإيحاء بقوة افتراضية، وهكذا شائعة المراجعات الفكرية لجماعة الإخوان الإرهابية وأتباعها وحلفائها ومواليها هى مجرد «نيولوك» لدعوة مشبوهة فى شكل خدعة إعلامية تستغل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية.
لكن، لا فرصة لها فى أى استجابة وطنية أو سياسية لإعادتهم إلى المشهد الذى شوهوا ملامحه بدم الشهداء.
نقلا عن المصرى اليوم