د. منى حلمى
«الجشع، الغرور، الخوف».. ثلاث رذائل أزلية تحاصر النفس البشرية فى كل زمان ومكان، تتملكها، تستنزف قواها، تحول بينها وبين تحقيق السعادة والرقى المعنوى والنُبل الإنسانى.. من هذه الرذائل الثلاث تتولد كل أنواع وأشكال الانحطاط الأخلاقى: الكذب، الغش، التضليل، التدليس، التزوير، الغدر، النفاق، الجحود، الخيانة، الحقد، الانتهازية، التعصب، الخواء الداخلى، بذاءات القول والفعل، الصيد فى الماء العكر، السمنة المفرطة فى طاعة أصحاب الفلوس والجبروت، الاسترزاق من بيع المبادئ وبيع الأوطان وبيع الكرامة، التسابق لإلحاق الأذى المعنوى والجسدى للآخرين، نساء ورجالًا.
الذين لا يعرفون هذه الرذائل الثلاث الأزلية «الجشع، الغرور، الخوف»، «الجشع» هو عدم قناعة الإنسان بما تقدمه الحياة من خيرات وفرص للنمو والتحقق ربما تفوق بكثير جدًا مؤهلاته المحدودة.. الجشع أن يطلب الإنسان المزيد من كل الأشياء فى كل الأوقات وإن تحققت على جثث الآخرين.. الإنسان الجشع يعجز عن الاستمتاع بما لديه حيث يؤرقه دائمًا امتلاك ما يملكه الآخرون.. يأكل الإنسان الجشع وعيناه على طبق الغير ويتمنى أن تزول النِعم من حياة الآخرين وتذهب إليه.
أما «الغرور» فالحديث عنه حقًا يثير الشجون.. فالأمر لا يحتاج للكثير من الفطنة والذكاء لكى يدرك الإنسان أنه «ريشة» فى مهب الريح، ولادته وحياته وموته محاصرة بـ«العبث»، وأنه مجرد عابر سبيل أو ضيف مؤقت على خريطة الوجود.. تبقى الحياة وهو يفنى، تستمر الحياة وهو ينتهى، تتجدد الحياة وهو إلى العدم مسافر بلا عودة، أحزانه، أفراحه، أحلامه، إنجازاته، آلامه كلها لا تحرك ساكنًا فى الكون وتنظر لها الحياة نظرة لا مبالية ساخرة.. وعمر الإنسان مهما طال لا يمثل إلا ثوانى معدودات قياسًا إلى عمر الأرض والكون والحياة، أو حتى قياسًا إلى عمر الحذاء المتهالك الذى يدوس به على التراب، التراب الذى يعتقد الإنسان بالغرور والحماقة الموروثة أنه أنظف منه مع أن الأيام تثبت كل يوم أن التراب أنظف وأرقى وأكثر تحضرًا ونُبلًا وكرمًا وتواضعًا.. كل هذه الحقائق التى يستيقظ عليها الإنسان كل يوم كان لا بد أن تشعره بالتواضع الشديد وإدراك موقعه الحقيقى أمام حقيقة الكون.
حماقة أخرى هى «الخوف».. يخاف الإنسان أن يكون نفسه، ويخاف كلام الناس، ويخاف قول الحق، ويخاف الاعتراف بأخطائه، ويخاف الوحدة، ويخاف المجهول، ويخاف الموت، ويخاف المرض.. يطلق البشر على «الخوف» أسماءً كثيرة متنوعة تبرر لهم هذا الموقف، مثل «تعقل» أو «حكمة التأنى» أو «مراعاة الظروف» أو «بُعد نظر» أو «فن تجنب الأعداء».
من بستان قصائدى
فى كل زمان ومكان يختلف جميع البشر
فى فصيلة الدم اللغة والأحلام الطباع والمزاج
أرصدة البنوك بصمة الإصبع
عقائد ديانات لأى رب يعبدون ولأى حاكم يسجدون
تاريخ الميلاد موعد الرحيل لكنهم نساء ورجال
على شىء واحد يتفقون كلهم يحتاجون إلى لمسة حنان
منزهة عن المصالح والأغراض
لحظة من العمر واحدة تحبهم لذاتهم وليس لما يملكون
لمن يدخل السرادق يشرب القهوة السادة
لمن نفض المنافع ويقدم واجب العزاء
وإن لم يلبس السواد أو استعصى فى عينيه البكاء.
نقلا عن الدستور