مراد وهبة
ورد إلى ذهنى عنوان هذا المقال عندما قرأت خبراً مثيراً لكل مَنْ يعنيه ما يحدث على كوكب الأرض فى هذا الزمان فى صحيفة «المصرى اليوم» بتاريخ 31/3/2021، ومفاده أن عدداً من قادة العالم قد دعا الدول إلى التخلى عن الانعزالية والقومية والاتحاد معاً لإيجاد سبيل لعصر جديد قائم على مبادئ التضامن والتعاون العابرة للحدود. وكل ذلك من أجل القضاء على وباء كورونا المسمى كوفيد 19. ومع ذلك فالرأى عندى أن كورونا ليس هو الوباء الوحيد الذى يستلزم الاتحاد إنما ثمة وباءان آخران وهما الإرهاب الأصولى وتغيير المناخ الذى نشأ بسبب تراكم ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى وهو ما يسمى بالاحتباس الحرارى والذى يستلزم سحبه من ذلك الغلاف.
وبناء عليه يمكن القول إن ثمة أوبئة ثلاثة هى المهددة لكوكب الأرض. ومن هنا صككت مصطلح الكوكبية فى سياق رؤية رباعية مكونة من الكونية والكوكبية والاعتماد المتبادل والإبداع. والكوكبية هنا تعنى رؤية كوكب الأرض من خلال رؤية الكون فيبدو الكوكب وكأنه وحدة بلا تقسيمات. وبناء عليه يكون الاعتماد المتبادل أمرا حتميا، ويكون التفكير بما هو نسبى أمرا حتميا كذلك. وإذا كان التفكير بما هو نسبى هو العلمانية فتكون العلمانية فى نهاية المطاف لصيقة الصلة بكوكب الأرض. ومن هنا يلزم أن تكون دعوة قادة العالم إلى إشاعة العلمانية باعتبار أنها كوكبية. وإذا تمت هذه الإشاعة يمتنع على أية دولة الانفراد بحل مشاكلها بمعزل عن دول كوكب الأرض.
ومثال على ذلك ما هو حادث فى إشكالية سد النهضة، أى فى التناقض الحاد الكامن فى هذا السد الذى يعنى تجاهل دولة المنبع التى هى إثيوبيا لدولتى المصب اللتين هما مصر والسودان، الأمر الذى ترتب عليه بداية تهديد الرئيس عبد الفتاح السيسى لإثيوبيا بشن حرب عليها إذا أقدمت على المرحلة الثانية من ملء السد وهو تهديد من النوع الذى إذا حدث يكون مهدداً لاستقرار منطقة الشرق الأوسط. وإذا كانت هذه المنطقة بحكم التاريخ منطقة مركزية باعتبار أنها مهبط الأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام فتكون بحكم الضرورة مهددة لكوكب الأرض.
وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول إن إشكالية سد النهضة يمكن أن تكون بداية لتأسيس «منفستو لكوكب الأرض» ويكون معتمداً من دول كوكب الأرض بحيث يقال عنه إنه منفستو مُلزم بحكم الضرورة وليس بحكم الاختيار. ويترتب على هذا القول نتيجة حتمية وهى ممارسة رؤية نقدية مستندة إلى رؤية علمانية للخطاب الدينى أو الثقافى، ويكون من شأن هذه الرؤية البحث فى أى حوار دينى أو ثقافى عن مشروع مشترك لكيفية تدعيم علمنة كوكب الأرض.
وإذا حدث ذلك فمعنى ذلك أن يكون «علم كوكب الأرض» فى الطريق إلى التأسيس ويضم كل العلوم بلا استثناء الأمر الذى يترتب عليه تأسيس نسق تعليمى جديد يكون متسقاً مع ذلك العلم الجديد الذى يسهم بدوره فى تأسيس عقل علمانى لكل سكان كوكب الأرض. وبفضل هذا العقل تكون نهاية العقل الأصولى وما ينطوى عليه من تكفير وقتل. ويترتب على هذه النهاية إيمان بلا دوجما.
نقلا عن المصرى اليوم