د. منى حلمى
«حد يكره الربيع، ده انتِ مولودة فى الربيع فى إبريل؟!». كل سنة، بنبرة اتهام مريبة، يسألوننى. وكل سنة أكرر: «أكره الربيع»، أحب الشتاء، وأعشق الخريف. والصيف أعتبره «خطأ كونيًا»، من حماقات الطبيعة. تحمل مجتمعاتنا إرثًا ثقيلًا، من التعصبات، تحتاج، بشدة، وعاجلًا، إلى ثورة فكرية، تعطينا القدرة على عدم اتهام الاختلافات. الديمقراطية، والتعددية، والحرية، ليست فى السياسة، والفلسفة، والعقائد فقط. ولكن أيضًا، فى الميول العاطفية، والأذواق الشخصية، والتركيبات النفسية.
إذا كان الجميع يحبون الربيع، ويحتفلون به، فهنيئًا لهم به. وإذا كان «البيات الربيعى» هو ما أمارسه، وليس «البيات الشتوى»، فهو أمر شخصى مطلق، يرفض الوصاية، أو مجرد الاستنكار.
لماذا علينا جميعًا حب «الربيع»؟. أليس هذا إرهابًا؟؟. وعندنا إرهاب فى الغناء والموسيقى، والأدب، والشِعر، والصحافة، والفن، حيث هناك أسماء «مقدسة»، لا تُمَسّ، حتى فى أكلات الطعام، وأنواع المشروبات، يوجد تعصب وإرهاب. مثلًا
«إنت عمرى»، لقاء السحاب بين «أم كلثوم» و«عبدالوهاب»، 1964، أعتبره أضعف ما غنّتْه «أم كلثوم»، وما لحنه
«عبدالوهاب»، فنيًا وموسيقيًا. أقول هذا، فأُتهم بأننى فاسدة الذوق، وخائنة للوطن، وأثير فتنة ضد الرموز العظماء. أشياء وبشر، نحولهم إلى «آلهة» نسجد لها، نسبح بحمدها، نقدم لها القرابين، ونكفر، وننبذ، المختلف.
الحقيقة ليست الغيرة على عظماء الوطن لأن العظماء لا يضيرهم الاختلاف عليهم، ولكنها التجرؤ على الخروج من الحشد، وشجاعة الجهر به. إن «تنميط» الناس هو أقدم أداة لتحقيق الطاعة، والتعليب فى سياسية، وثقافية، ودينية، وفكرية، وفنية، وعاطفية، وأسرية. إن شرط الحرية، والإبداع، والتقدم الأخلاقى، والحضارى، يتحدد بعدد المسلمات، التى نكسرها، والطوابير التى رفضنا أن ننحشر فيها. والارتقاء بالسعادة يُقاس بالتفرد، من أصغر الأشياء إلى أكبرها.
«السلاسل»، الموروثة، هى «العاهة»، التى نفخر بالإصابة بها، تُشعرنا بالأمان، والانتماء، وأننا على الصراط المستقيم. بالعافية، لازم أحب الربيع. وإلا فإننى ضد دفء الأرض، والتفتُّح، وعبير الورود، ورجوع الدفء، وكلها تثير الشهية، للحب والفرح، والتفاؤل، والرقص، والغِناء، والكتابة.
لماذا يكون التفاؤل، مَنْ قال إن الشجرة العارية أقل فتنة وإلهامًا من الشجرة المثمرة؟، والتفتح، والرقص، والغناء، فى موسم رياح التراب، وليس فى موسم قطرات المطر؟، لماذا تكون الحدائق أجمل من الصحراء؟. أكذوبة كبرى أن الحب يخاصم الشِتاء، وأن العشق يهرب من الخريف.
طول عمرى أكره الربيع، الذى يبدأ 21 مارس حتى 21 يونيو، تشاؤم غامض يأتى معه، أشعر أنه العدو الأول، يجب أن أحذره، ومأساة عمرى النازفة بالصقيع، رغم لافتات الدفء.
هذا العام، انكشف الغموض، ففى أول أيام الربيع، أول أيام «التفتُّح»، الأحد 21 مارس 2021، الثانية عشرة ظهرًا، عِز الدفء، «ذبلت» أمى، «نوال»، ورحلت.
نقلا عن المصرى اليوم