حمدي رزق
لو كنت مكان وزير النقل، اللواء كامل الوزير، لأحلت تقرير النيابة العامة، عن حادث تصادم قطارى سوهاج، إلى لجنة فنية على أعلى المستويات، لأن ما حواه التقرير يؤشر على خلل رهيب فى منظومة الحوكمة فى السكك الحديدية، ما ينذر برعب أكبر من هذا سوف يجىء.. وهذا ما نخشاه.
صادم تقرير النيابة العامة، كل الأمراض الوظيفية المزمنة والمتوطنة متجسدة فى الحادث، انعدام المسؤولية فى أبشع صورها، والكذب والاحتيال والتزوير، والأدهى والأمر استمرارية تعاطى الحشيش والترامادول على السكة الحديد!
الإلمام بتفاصيل تقرير النيابة العامة يورثك الحزن الدفين على حالة المؤتمنين على الأرواح الغالية والمعدات بالملايين فى سكك حديد مصر، كل سطر فى البيان جريمة متكاملة الأركان، من أول تزوير توقيع استلام القطار (الجانح) وحتى وقوع التصادم (البشع)، حلقات متراكبة ومتراكمة من التسيب والإهمال، بلغت حد غياب مسؤولى الحركة عن مواقعهم أثناء الورديات والمناوبات، وغياب السائق عن مقعده، وتحذيرات وهمية لم تحدث من وهميين محسوبين ملاحظين ومراقبين، وإشارات صفراء وحمراء تضوى ولم تر، وفصل المكابح الكهربية خلافا للتعليمات المستدامة.
مجمع خطايا، ليست أخطاء بشرية تغتفر، بل كوارث حركية عمدية مع سبق الإصرار والتزوير، ارتكبها مجرمون بدم بارد.. يستاهلوا الشنق.
احترافية النيابة وتعمقها فنيا فى تحليل أسباب الحادث واستعانتها بخبراء الطب الشرعى، كشفت متوالية أكاذيب من جميع الأطراف، من السائق ومساعده والبلوك ورئيسه ومراقبى الحركة فى موقع الحادث، جميعا إلا من كان عنده ضمير، متورطون بالكذب فى حدوث الكارثة.
خلاصته، لا اللى بيسوق واخد باله من القطار، أصل القطار عارف سكته، ولا المساعد فاهم وظيفته، ينازع السائق فى شغله، ولا عامل البلوك موجود، عنده مشوار لحد السوق، ولا المنوط به الاتصال تحذيرا اتصل، فاصل شحن، ولا ولا ولا.. والفضيحة الكبرى فى تعاطى الحشيش والترامادول، أصحاب مزاج عالى!
تصرف النيابة فى الحادث محكوم بالقانون، ولكن التقرير يشى بالفوضى الضارية على القضبان، الحادث نموذج ومثال على حالة من التسيب والإهمال مروعة، إلا النادر من أصحاب الضمائر الحية، لم يقم أحد بواجبه لتفادى الكارثة وحقن الدماء التى سالت هدرا، ولم توات أحدهم الشجاعة ليقول الحقيقة المؤلمة، سلسلة من الأكاذيب التى كشفتها تحقيقات النيابة والتقارير الفنية التى فضحت انهيار الحوكمة المستوجبة على القضبان.
لافت ومحزن ثبوت تعاطى الحشيش والترامادول على القضبان، أين الكشف الطبى المستدام على من يقود قطارات بالملايين وعلى متنها آلاف الأرواح البريئة؟، ما معنى غياب مسؤول أو سائق قطار عن مقعد القيادة أثناء الحركة؟، وو و.. تحضر الأسئلة وتغيب الإجابات جميعا.
الخلاصة الكارثة حدثت لأنها كانت ستحدث، طالما هناك انعدام ضمير، وغياب الحوكمة على السكك الحديدية، كان الله فى عون اللواء كامل على تركة السنين السوداء!
نقلا عن المصرى اليوم