د. مينا ملاك عازر
حدثتك سيادتك كثيراً عن دولة أرغندان التي تقع في قارة فرقندون، وفي المقال السابق حدثتك عن الخنزير الذي استقر بها وضيق حياة شعبها، وهنأ به مسؤوليها إذ أشعر المتمردون والباحثون عن الحريات أنهم في نعمة بعد أن سحبوه عنهم، ونسوا قضاياهم الأساسية، وشكروا المسؤولين على فشلهم، واليوم أحدثك عن المواطن العادي بدولة أرغندان، وهو مواطن من نوع المواطن المستقر، وحتى أستطيع أن أشرح لك كيف وصل المواطن الأرغنداني لما وصل إليه، والنظرية التي تتحكم في حياته حتى لا يضج، أسمح لي أن أحيلك لكتاب كتبه أحد المفكرين الفرنسيين وهو المفكر الفرنسي اتييان دو لا بواسييه، يقول المفكر الفرنسي اتييان في كتابه "العبودية الطوعية "عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد، ويظهر فيه ما يمكن ان نسميه "المواطن المستقر"
وفي دولة أرغندان يعيش المواطن المستقر في عالم خاص به وتنحصر اهتماماته في ثلاثة اشياء:
1-الدين.
2-لقمة العيش.
3-كرة القدم.
فالدين عند المواطن المستقر لا علاقة له بالحق والعدل، وإنما هو مجرد أداء للطقوس واستيفاء للشكل، لا ينصرف غالباً للسلوك فالذين يمارسون بلا حرج الكذب والنفاق والرشوة، يحسون بالذنب فقط إذا فاتتهم إحدى الصلوات! وهذا المواطن قد يستشيط غضباً ضد الدول التي تبيح زواج المثليين بحجة أن ذلك ضد إرادة الله لكنه لا يفتح فمه بكلمة مهما بلغ عدد المعتقلين في بلاده ظلماً، وعدد الذين ماتوا من التعذيب، ويقبل الفساد في بلاده جهاراً وبعد ذلك يحمد الله!؟
لقمة العيش هي الركن الثاني لحياة المواطن المستقر، فهو لا يعبأ اطلاقاً بحقوقه السياسية ويعمل فقط من أجل تربية أطفاله حتى يكبروا فيزوج البنات ويشغل أولاده ثم يقرأ في الكتب المقدسة، ويخدم في بيت الله حسن الختام.
أما في كرة القدم فيجد المواطن المستقر تعويضاً له عن أشياء حرم منها في حياته اليومية، كرة القدم تنسيه همومه، وتحقق له العدالة التي فقدها، فمن المفترض فخلال 90 دقيقة تخضع هذه اللعبة لقواعد واضحة عادلة تطبق على الجميع لكن في دولة أرغندان تحاول الدولة دائما تطبيق القواعد التي تناسب أحد الأندية في معظم الأحيان لإرضاء جمهور يقولون ويدعون زوراً أن له الأغلبية، وإذا طبقت القواعد بالعدل يكون لمراضاة جمهور نادي آخر يدعون أنه صاحب الشعبية الأقل ولكنه القطب الثاني كما تجري العادة في مسابقات كرة القدم في العالم كله حيث يوجد غالباً قطبين، اللهم إلا استثناءات بسيطة في بعض الدوريات.
وبشكل عام لا يمكنني القول إلا أن المواطن المستقر هو العائق الحقيقي أمام كل تقدم ممكن، ولن يتحقق التغيير إلا عندما يخرج هذا المواطن من عالمه الضيق ويتأكد أن ثمن السكوت على الاستبداد أفدح بكثير من عواقب الثورة ضده!
المختصر المفيد الحمد لله على نعمة مصر.