بقلم- شكري بسطوروس
لأول مرة في تاريخ مصر الحديث يتم تهجير مائة وعشرين اسرة قبطية دفعة واحدة من احد قرى مصر بعد تهديدات بالقتل الجماعي. إن تهجير المسيحيين من قرية دهشور بالجيزة تحت سمع وبصر الامن، ثم نهب وتحطيم وحرق منازلهم ومحلاتهم إنما تمثل جرائم عنصرية مكتملة الاركان، وتشبه ما حدث في البوسنة والهرسك وأدى على تفكيك دولة يوغسلافيا السابقة.
ان شهادات الضحايا تشير إلى مخازي في التناول الأمني والسياسي منذ بداية الاحداث كما تشير إلى اعمال عنف وترويع وارهاب مورست ضدهم دون اي اهتمام من رجال الامن او السياسة المسئولين عن البلد.
أن المسئولية المباشرة عن هذه الجرائم التي ترقي إلى التطهير الديني تقع على ثلاثة اطراف. الطرف الاول والمباشر هو الامن بتراخيه واهماله اللذين وصلا إلى حد التواطؤ طوال 5 أيام كاملة في مواجهة تهديدات يومية لهذه الاسر بالقتل والتشريد وتدمير الممتلكات إذا مات الشاب المسلم المصاب بحروق. والطرف الثاني هو القيادة السياسية على المستوى المحلي بالجيزة وعلى مستوى الدولة المركزية الذين تعاموا عما كان يحدث هناك. أما الطرف الثالث فهو الاعلام الذي قام بالتعتيم على الحادث منذ البداية ونقله بصورة مزيفة تخدم اجندة اسياده الجدد في السلطة.
بدأت المأساة يوم الخميس 28 يوليو 2012 بمشاجرة بين مكوجي مسيحي وكهربائي مسلم بعد أن أحرق المكوجي قميص الكهربائي بطريق الخطأ اثناء كيه! فحدثت بينهما مشاجرة. بعد عدة ايام ارسل الكهربائي زوجته بملابس جديدة لغسلها وكيها في مغسلة المكوجي الذي رفض ذلك اقتصاراً للمشاكل.
فما كان من الكهربائي إلا أنه احضر أهله واصدقاءه للتشاجر مجدداً مع المكوجي المسيحي. فتجمع مسلموا القرية لنصرة اخيهم ظالماً او مظلوماً حتى وصل عدد من يحيطون ببيت المكوجي الذي به المغسلة ما يزيد عن 2000 مسلم! حضروا لمناصرة المسلم على "النصراني" محاولين اقتحام بيته. دافع المكوجي عن بيته بالقاء وعاء به بنزين مشتعل (مولوتوف)، العمل الذي اعتبره كثيرون دفاعاً عن النفس. فاصاب المولوتوف احد الشباب المسلمين الذي لم يكن طرفاً في المشاجرة بحروق شديدة. عقب ذلك حرق مسلمو القرية بيت المكوجي والمغسلة بكل محتوياتهما وتركوا المبنى مجرد جدران. ثم سارعوا بالتوجة إلى الكنيسة لحرقها فضلاً عن الاعتداء على بيوت بعض المسيحيين بالقرية ولكن الامن تدخل لحماية الكنيسة فقط!
تم القبض على المكوجي المسيحي وابوه واخوه وابن عمه وتم تقديمهم للنيابة التي طلبت من الشرطة ايضاً سرعة ضبط الكهربائي المسلم ومتهمين مسلمين اخرين، ولكن لم يتم القبض على اياً منهم للآن!
في الايام التالية قام اخوة الشاب المسلم المصاب ومعهم اخرين من القرية ومن خارجها بمهاجمة بيوت اقباط القرية يومياً ملقين عليهم الحجارة والمولوتوف وسبهم بأبشع السباب وتهديدهم بوضوح بأنه ان مات المجني عليه فلابد من قتلهم جميعاً انتقاماً له! حدث هذا تحت سمع وبصر الامن المرابط امام الكنيسة والذي رد ضباطه على مطالبة المسيحيين بالتدخل بأنهم هناك لحماية الكنيسة فقط!
فلما توفي الشاب المسلم مساء الاثنين 2 اغسطس، وصلت للمسيحيين تهديدات مؤكدة بانه سيم الاعتداء عليهم عقب تشييع الجنازة مساء الثلاثاء. ففر الكثير من الاسر التي لا ناقة لها ولا جمل فيما حدث. وما ان عاد المشيعون من الجنازة حتى تحولت القرية إلى ساحة حرب... . نهب وسلب وتحطيم وحرق وسط صيحات "الله اكبر". وبدلاً من أن يأمن الامن القرية ويحمي الممتلكات، امر الاسر التي رفضت ترك بيوتها بضرورة الرحيل ومن بينهم كاهن كنيسة القرية القس تكلا عبد السيد! ثم ترك الامن بيوتهم أيضاً لنفس المصير!
هنا نسأل: لماذا لم تأمن الشرطة القرية بما فيها بيوت المسيحيين منذ البداية؟ لماذا لم تطلب الشرطة مساعدة قوات الجيش إن كانت عاجزة عن تأمينها بمفردها؟ أليس دور الشرطة الاساسي هو منع الجريمة؟ أم إن هذه سياسة الدولة منذ جرائم الزاوية الحمراء اخر ايام السادات؟
إن لم تكن هذه هي سياسة الدولة، فكيف نفسر خروج محافظ الجيزة ليقول انه لم يحدث تهجير لأي اسر وان كل ما حدث هو ان 7 او 8 اسر تركوا القرية باختيارهم وارادتهم، وان التلفيات في المنازل لا تتعدى بعضة ابواب وشبابيك؟ لمصلحة من هذا الكذب والتدليس إلا دفاعاً عن هؤلاء المجرمين وعدم الرغبة في تقديمهم للعدالة؟
كيف يذهب مجموعة من الاباء الكهنة للقصر الجمهوري وينتظرون يوماً كاملاً لمقابلة الرئيس مرسي "ذي الابواب المفتوحة" بخصوص دهشور ويرفض مقابلتهم؟!
بل كيف نفسر تصريحات الاخ ياسر علي المتحدث بإسم رئيس الجمهورية بانه لم يتم تهجير احد قسرياً ولكن الاسر المسيحية تركت القرية باختيارها، ودون ان يذكر شيئاً عن الارهاب الذي تعرضوا له او تقصير الشرطة في حمايتهم أو اعمال النهب والتدمير لممتلكاتهم؟
أليس انكار الدولة لهذه الجرائم تعني اصرارها على تشريد هذه الاسر المجني عليها ورفضها تعويض هؤلاء الابرياء بهدف إضعاف اقتصاديات المسيحيين؟ إن الخسائر تقدر بعشرات الملايين من الجنيهات؟ فلماذا تنكر الدولة وقوع هذه الجرائم؟ ان اول خطوة لتغيير الواقع هو الاعتراف به كما هو.... ألا تعكس تصريحات المتحدث بإسم رئيس الجمهورية روحاً عدائية تجاه ابرياء وتهويناً خبيثاً لواقع ما حدث؟ ألا يدل هذا على تبني..