في قضيه تجديد الفكر نحو التنوير والإستناره
نبيل صموئيل
حسنُ أن نُدرك أن تجديد الفكر فعل يسبقُ تجديد الخطاب، فالخطاب هو الدال علي محتوي الفكر، ومُعبر عنه بأقوال وبعبارات في مجملها تترجم الفكر وتُظهر بوضوح جَليْ ماذا إذا كان الفكر مغلقاً ام منفتحاً، وما إذا كان قابلاً للنقد والتحليل والتفنيد من عدمه،
ونحن فعلا في حاجه ماسه وضروريه الي تجديد وتنقيه الفكر، وهو ما ينطبق علي الفكر الديني والسياسي والإجتماعي والإقتصادي، وغيره من جوانب الفكر المتعدده.
وتجديد الفكر وقابليته للتفاعل مع المعطيات والمتغيرات والسياقات المتعدده لا يأتي من فراغ او بين ليله وضحاها، إنما يأتي بنهج تربوي من الصغر نتعلم فيه كيف ممارسه التفكير النقدي بأدوات وآليات متعدده، وطرق بحث وإكتشاف ومقارنات وإختيارات يتم تجريبها ونقدها وتغييرها، وآليات وأدوات أخري عديده للبحث العلمي والتفكير العلمي.
واذا ما قررنا ان نجدد الفكر ونحن في مراحل متقدمه من حياتنا فهذا يتطلب جهود كبيره وإجراءات ملزمه، والتعرض لقضايا شائكه والصمود في مواجهتها للسعي نحو بناء توجهات جديده،
وحيث أننا نعيش في إطار نسق فكري في غالبه سلفي الهوي متجمد يؤمن بالماضي السحيق ويسعي بكل جهده نحو إحضاره وتطبيقه علي السياقات والأزمنه المعاصره، ويتمسك بالتقليد والطقوس وبأقوال القدماء وبحرفية ما هو مكتوب دون فهم وادراك السياقات التي كتبت فيها هذه الكتب ومدي اختلافها عن السياقات المعاصره والمستقبليه.
فإذا كنا بالفعل والحق وبإرادتنا نريد تجديد الفكر فإن ذلك يتطلب حزمه من الإجراءات والآليات والأدوات تعاون بالفعل علي تجديد الفكر وهذه بعضها.
متطلبات تجديد الفكر:
- إعاده النظر في النهج التربوي والتعليمي السائد في معظم مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا سواء كانت دينيه أو عامه او خاصه أو دوليه، فمن ناحيه فإن وجود كل هذه الانظمه من المدارس والتي يمكن أن ينشأ عنها تميز تمييزا حادا بين البشر وفبعضعها يقوم بعزل المختلفين دينيا واجتماعيا واقتصاديا، ومنهم من يعزل بين الذكور والاناث، ويعتمد نهج التعليم والتربيه في غالبيه هذه المدارس علي الحفظ والتلقين ومحاكاة الماضي السحيق، وهو نهج يقتل التفكير والإبداع، ويُنتج فوارق طبقيه شديده، كما ان نهج العزل بين اصحاب الاديان وعلي اساس النوع الاجتماعي وأصحاب الإعاقه لا يعاون علي بناء مجتمعا متماسكا مترابطاً يحترم الاختلاف ويقبل التعددية والتنوع البشري الخلاق، كما ان فرض شكل ملابس محدده للأطفال ذكورا وإناثًا من الصغر بما في ذلك تغطيه شعر البنات لا يعاون علي تربيه أجيال قادره علي الإختيار والتمييز بل يربيها علي النمطيه وعدم التجديد،، فإن لم يتم إعاده النظر في هذا النهج التعليمي التربوي وتحويله الي نهج تربوي يعتمد علي الحريه والإبداع والتفكير والنقد والبحث والإكتشاف والإبتكار الي غير ذلك من نظم تربويه صحيحه فإن ما نريده ان يتحقق من الدعوه الي تجديد الفكر لن تأتي بثمارها، وسنظل كما نحن وتكون دعوتنا لتجديد الفكر دعوه غير صادقه وسنعود للحديث عن تجديد الخطاب!؟
- والمركب الثاني من الحزمه هو المراجعه الدقيقه لكل الطقوس وأقوال الآباء والأحاديث والتراث وتنقيته بما يتفق والفكر المتجدد والمنطق والمقاصد الإلهيه التي تراعي مصلحه الإنسان وتكرمه وتراعي العطيه العظمي التي منها الله للإنسان وهي العقل الذي يجب إعماله في ضوء السياقات والمصلحه العليا للإنسان، وما يختلف مع إعمال العقل يُنقي أو يُحذف، ولا يتم تدريسه او تعليمه او إستخدامه أو ترديده. وهي عمليه معقده ومطلوبه ويجب ان تكون في حاله فعل دائم حيث انه تم ترسيخه عبر قرون من الزمان في عقول ووجدان وسلوكيات البشر، وإن لم نفعل ذلك فكأننا نحرث في الهواء.
- المركب الثالث لحزمه تجديد الفكر هو ان التجديد عمليه جماعيه، ويمكن أن يبدأ بشخص واحد يحمل هموم كيفيه تجديد الفكر في سياق ماضوي سلفي متجمد، لكنه أيضا يسعي لضم آخرين من المهمومين والمهتمين بالقضيه لتصبح عمليه التجديد بفكر جماعي collective thinking، or thoughts، وتعمل هذه المجموعه معا بتناغم وتنسيق مستخدمه أدوات وآليات البحث والتحليل والتجريب والتطبيق والتقييم وفي إطار السياقات المختلفه للفكر المنغلق وكيفيه تكوينه وترسيخه عبر القرون، وكذلك عليها أن تنقي هذا الفكر من مجموعه الثوابت الكثيره التي فرضها هذه وتحللها في إطار السياقات المعاصره والمستقبليه التي يتم إستقرائها، ومدي إسهامها أو تعويقها لخدمه المصلحه العليا للإنسان وسعادته وراحته في إطار السياق العام المجتمعي. وعلي هذه المجموعه ان تعمل علي تنوير عقول وأذهان الناس التي وقعت فريسه للفكر الماضوي السلفي المتمسك بالقديم بغض النظر عن مناسبته للعصر والمستقبل. كما تسعي نحو الخروج من دائره إعتماد الناس في تدبير أمور حياتهم ومواجهه المشكلات والتحديات الحياتيه الإعتماد علي رجل الدين! أو الفقيه او اخرين وتعليمهم وتربيتهم علي التفكر والتبصر في أمور حياتهم ومحاوله الوصول بانفسهم الي ما يعينهم علي الفهم والإدراك والإختيار، وان الوقوع في الخطأ ممكن لكنه لا يتكرر، ووقف سوق الفتاوي والإجتماعات الجماهيريه التي يعتلي فيها رجل الدين! كرسي عالٍ ليرد علي استفهامات الناس وحتي البسيطه منها، ووجود مثل هذه وإستمرارها لن يعاون علي نقد وتجديد الفكر الماضوي السلفي لكنه يكرس له.
هذه مكونات رئيسه مندمجه ومترابطه لحزمه مطلوبه لتجديد وتنوير العقل والفكر والخروج من الفكر الماضوي السلفي العابر للأديان والمذاهب والطوائف والأنظمه الإجتماعيه والثقافيه والسياسيه، وبدونها لا نستطيع الخروج من النسق الفكري الماضوي السائد وسنظل نتحرك حول تجديد الخطاب الذي لن يحُدث تأثرا يُذكر.