بقلم : د . مجدى شحاته
بميلاد السيد المسيح فى بيت لحم ، تبدأ رحلة الخلاص العظيم لكل من آمن بالمسيح مخلصا , حتى القيامة المجيدة من الاموات ، مرورا بطريق الآلام الى الجلجثة والصليب . عاش السيد المسيح طفولة مجهولة ، ورحلة معاناة وعمل فى شبابه نجارا بسيطا ، ورضى ان يحاكم امام عبيده ، امام بيلاطس وهيرودس ، وامام أعضاء مجلس السنهدريم وكان يقول : " مملكتى ليست من هذا العالم " ( يو 18 : 36 ) . فى وقت المحاكمات والصلب كان كل شيئ يبدو فى منتهى الضعف والرثاء واليأس ... حول الصليب ، حفنة ضئيلة من الاتباع الضعفاء أجرأهم قد انكره بتجديف ، وأحبهم قد تركه وهرب , وبقى قلة ضعيفة يتطلعون بحسرة وألم الى صليب خشبى يحمل جسدا تهرى من الجلد والسحل ولا حياة فيه !! لم يكن أعداء يسوع ساكنين ، الجحود شنيع ، والضمائر شريرة ، لم تتوقف حتى بعد موته على الصليب ، وعندما تذكروا فى رعب وهلع النبوات الشائعة عن قيامته اسرعوا مطالبين الوالى من تشديد الحراسة على القبر حتى اليوم الثالث .
ما الذى أخرج القوة من الضعف ؟ واوجد الامل والرجاء من اليأس والاحباط ؟ ما لذى غير كل تلك المشاهد المؤلمة الحزينة الى مشاهد من الفرح والبهجة والنصرة ؟ مالذى زلزل الارض وشق الجبال وفتح القبور وأقام اجساد القديسين الموتى من القبور؟ ما الذى غير كل مقاييس ومفاهيم البشر خلال العشرون قرنا بعد الميلاد ؟؟ ليس هناك سوى جواب ... وجواب واحد ... قيامة الرب يسوع من الاموات ... !! قام المسيح فجر الاحد بينما كان الظلام باق ، قام وأشرق لنا بقيامته بنور الابدية ، وصار يوم الاحد هو يوم الرب ( رؤ 1 : 10 ) فبعد أحداث الجمعة العظيمة المشحونة بآلام الصلب ومع انتهاء يوم السبت الذى انقضى فى سكون تام .. بدأت أحداث القيامة المبهجة المفرحة ، والتى بدأت بزلزلة عظيمة حدثت كما حدثت زلزلة وقت الصلب ( مت 27 : 51 ) هكذا وقعت الزلزلة وقت القيامة لتعلن ان الذى قام فجر الاحد هو الذى مات يوم الجمعة !! ولذلك لم تشمل الزلزلة سوى بقعة البستان فقط حيث يقع فيه القبر ، ونزل ملاك الرب من السماء ودحرج الحجر وجلس عليه ، وتولى ظهور الملائكة فى ثياب براقة للنسوة القديسات الائى أتين الى القبر يبشرهن بالقيامة المفرحة العظيمة . ( لو24 : 4 ) . ما أعظم هذا اليوم الذى اشرق فيه السيد المسيح المخلص بانوار القيامة من القبر ليبهج قلب الكنيسة بقيامته المجيدة ، نور القيامة الذى يتجلى ويبهر العالم فى ( سبت النور ) من كل عام وتنقله كافة وسائل الاعلام فى كل بقاع الارض . وفى المساء دخل الى التلاميذ وهم مجتمعون فى العلية والابواب مغلقة كما خرج من القبر المغلق والاختام عليه وهذا لم يكن أمرا غريبا ، فقد خرج من بطن القدسة العذراء مريم وبتوليتها مختومة !! واقام الموتى من القبور!! انها قوة القيامة ، الحدث المعجزى المبهر الذى يفوق كل التصور , لأنها من أعمال السيد المسيح ، انه الوحيد الذى قام بذاته ولم يقمه أحد !! فكل الذين قاموا من قبل أقامهم غيرهم . فكانت قيامته دليلا على انه أقوى من الموت ، وأقوى من ظلم الاشرار والطغاة . بعد قيامة السيد المسيح لم تعد القيامة مجرد مفهوم نظرى وانما باتت القيامة حقيقة واقعة وملموسة " الذى سمعناه الذى رأيناه بعيوننا ، الذى شاهدناه ولمسته أيدينا . الذى قال : " انا هو القيامة والحياة " فا لمسيح القائم من الاموات هو الطريق الوحيد الى الآب " انا هو الطريق والحق والحياة " ( يو 14 : 6 ) .
قوة القيامة .. التى حولت شاول الطرسوسى من اكبر مضطهد للكنيسة الى بولس الرسول أكبر كارز بالمسيح !! قوة القيامة .. التى جعلت قائد المائة ، رئيس الجند اللذين صلبوا المسيح ، يؤمن فالمسيحية ويستشهد من اجلها ، ويصير قديسا !! قوت القيامة .. التى غيرت قلب اللص اليمين وهو على الصليب ليدخل الفردوس فى نفس اليوم !! قوة القيامة .. التى دفعت امرأة بيلاطس الوالى نحو الايمان ، وتتوسل من أجل ( هذا البار ) !! قوة القيامة .. التى حولت مريم المجدلية التى كان يسكنها سبعة شياطين ، وتتحول الى كارزة ومبشرة للرسل بقيامة الرب من الاموات !! قوة القيامة .. التى أبهرت وأزهلت بولس الرسول فقال عن القائم من الاموات " لأعرفه وقوة قيامته " . قوة القيامة .. التى أعطت التلاميذ الشجاعة والجراءة لينادوا بالانجيل بكل مجاهرة وتنتشر كرازتهم فى كل انحاء الارض ، ووهبت للتلاميذ روح الفرح ، وهو الذى قال لهم قبل صلبه " أراكم وتفرح قلوبكم ، ولا يستطيع أحد ان ينزع فرحكم منكم " وهذا ما تحقق تماما بعد ان تخلصوا من كل الخوف " وفرح التلاميذ اذ رأوا الرب " ( يو 20 : 20 ) قوة القيامة .. التى علمتنا انه لا يوجد شيئ مستحيل ... عند الله كل شيئ ممكن ومستطاع ، وان جهلاء العالم قادرون ان يخزوا الحكماء ، وان ضعفاء الارض قادرون ان يقحموا الاقوياء .
من كان يظن ان تنتشر المسيحية وتتصدى ضد الديانات الوثنية القديمة المتأصلة فى كثير من دول العالم فى ذلك الوقت ، وضد اليهودية التى حاولت ان تقف ضد الكرازة المسيحية ؟! وضد الامبراطورية الرومانية والفلسفات المتأصلة فى ذلك العصر ؟! واستطاعت المسيحية العزلاء تقف صامدة وتمتد فى كل ربوع الارض ، وصارت كل الارض للرب ومسيحه . قام المسيح وفى قيامته ، منح البشرية نعمة القيامة ، فهو الذى داس الموت ليقودنا فى موكب نصرته .. نعم انها قوة رب المجد يسوع الذى قال : " ثقوا أنا قد غلبي العالم " قوة القيامة .. التى غيرت كل مفاهيم ومقاييس العالم ومازالت تعمل وتغير نحو الكمال و الى المنتهى . ونحن نحتفل ونبتهج بالقيامة المجيدة ، فلنحيا فى قوتها ، ونعيش مع نصرتها ، ولنهتف بكل الرجاء مع معلمنا بولس الرسول : " لأعرفه وقوة قيامته " وكل عام ونتم بكل الخير والبركة .