في مقدمة الحلقة الـ24 من مسلسل "لعبة نيوتن"، تظهر عبوة عسل النحل التي تحتوي على المواد المخدرة وهي تخضع لتحاليل كيميائية للكشف عن مكوناتها، وينتهي المشهد بخبير التحاليل وهو يعد تقريره الرسمي عن احتواء عبوة العسل على مواد مخدرة.
ربما لا يعرف الكثيرون أن من قام بدور خبير التحاليل هو مؤلف ومخرج المسلسل تامر محسن في ظهوره الأول على الشاشة كممثل.. في السطور التالية نتعرف على تامر محسن الذي يقف وراء تقديم المسلسل بهذه الصورة.
المخرج والكاتب تامر محسن المعروف باهتمامه بدقة التفاصيل البصرية والدرامية عبر أعمال ناجحة وتتمتع بالاستمرارية مثل مسلسلات "بدون ذكر أسماء"، "تحت السيطرة" و"هذا المساء"، وفيلم "قط وفار"، وأحدثها هو "لعبة نيوتن" وأفلامه الوثائقية التي تُعد مرجعاً سياسياً موضوعياً ومهنياً، إضافة لأفلامه القصيرة والطويلة الحائزة على العديد من الجوائز.
درس تامر محسن العمارة في كلية الفنون الجميلة، ثم ترجم شغفه الفني بتأليف وإخراج مسرحية ماريونيت ليحصل بها على جائزة أفضل عمل مسرحي في المهرجان الرابع للمسرح الحر، ويشارك كمساعد مهندس ديكور مع المخرج الراحل يوسف شاهين في فيلمي "المهاجر" (1994) و"المصير" (1997).
حسم محسن وجهة مسيرته الفنية بالدراسة في المعهد العالي للسينما، ليكتب ويخرج فيلمين قصيرين انطلق بهما كأحد المخرجين الواعدين حينها، وهما "الحفلة" الذي فاز بـجائزة شادي عبد السلام في المهرجان القومي السابع للسينما المصرية ثم مشروع تخرجه "أن تنام بهدوء حتى الساعة السابعة" الذي فاز بـجائزة لجنة التحكيم من المهرجان القومي الثامن عشر للسينما المصرية وافتتح مهرجان روتردام للفيلم العربي في دورته الثالثة، والذي شكَّل توارد خواطر موضوعياً بينه وفيلم معالي الوزير للمؤلف الكبير وحيد حامد الذي عُرض في الدورة نفسها، حيث تناول الفيلمان فكرة الكوابيس التي تغير حياة البطلين إلى الأبد، لقاء محسن ووحيد في المهرجان أدى لتقارب مستمر بينهما وأسفر عن تعاونهما لاحقاً.
وبالرغم من نجاح تجربتيه الروائيتين القصيرتين، رأى تامر أن الفيلم الوثائقي، وحكي وتفكيك الوقائع التاريخية، هو السبيل لتأسيس نفسه كمخرج روائي صادق، وهذا ما جعله يقوم بإخراج وكتابة وإنتاج مجموعة من الأفلام الوثائقية كانت سبّاقة على مستوى العالم العربي في طريقتها للتعامل مع الموضوعات التاريخية، من حيث المتعة والتشويق وإعادة تمثيل مشاهد تاريخية وتداخل الدراما في العمل الوثائقي، وهي أفلام: "سعد زغلول.. الزعيم وظله"، "اغتيال السادات" و"اغتيال حسن البنا".
بدون ذكر أسماء (2013) هو مسلسل تامر محسن الأول الذي تعاون فيه مع المؤلف الكبير وحيد حامد، وأصبح واحداً من الأعمال التي تسرد واقع فترة الثمانينات من منظورين سياسي واجتماعي بأمانة تاريخية ملفتة ونادرة وقت صناعته، ووفقاً لـتامر هو أكثر أعماله التي استغرقت وقتاً في التحضيرات، بعد عامين أخرج محسن فيلمه السينمائي الأول قط وفار مع حامد أيضاً، وفاز الفيلم بجائزتين لـأفضل عمل أول في المهرجان القومي ومهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية.
في موسم رمضان 2015 أخرج وكتب قصة مسلسل "تحت السيطرة" الذي جذب انتباه المشاهدين بسبب العمق غير التقليدي في تناول فكرة الإدمان، والتي لا تقتصر على المخدرات فقط، لينال المسلسل تكريم العديد من الجهات الرسمية مثل وزارة التضامن الاجتماعي، المجلس القومي لحقوق الإنسان وصندوق مكافحة الإدمان.
بعدها بعامين أخرج وكتب القصة والمعالجة الدرامية وشارك في الكتابة لمسلسل "هذا المساء" (2017)، وهو دراما نفسية قدم فيها تامر سؤال قد يبدو بسيطاً: هل معرفة الحقيقة نعمة ام نقمة؟ ليستعرض المسلسل عواقب نقيصة فضول البعض لكشف الأسرار والخصوصيات، وما يحدث عندما يصبح أحدهم قادراً على الوصول إلى البُعد الآخر غير المرئي لحياة أشخاص يبدون مثاليين. وقد نال تامر عن المسلسل جوائز أفضل مسلسل ومخرج وسيناريو في جوائز نقابة المهن السينمائية لدراما رمضان 2017، كما نال المسلسل تكريماً من المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وفي "لعبة نيوتن" لم يكتف محسن بدور المؤلف والمخرج، بل بدأ أيضاً في ممارسة دور المشرف العام على المسلسل (Showrunner)، وهو مفهوم جديد بالنسبة لصناعة المسلسلات في العالم العربي رغم تطبيقه في صناعة المسلسلات العالمية، ومن خلال هذا الدور يصبح المشرف العام طرفاً في ابتكار المشروع منذ بدايته، وتولي مسؤولية الإدارة والإشراف على الجوانب الفنية للمشروع بالكامل.