يوسف سيدهم
تنشر “وطنى” فى هذا العدد فى باب “الأسرة والمجتمع” مادة بعنوان “الكنيسة الأرثوذكسية تطلق ثلاث وثائق لحماية المرأة من العنف”… والمادة تعد مبادرة رائدة من الكنيسة نحو التفاعل مع مشاكل المجتمع المصرى مما يؤكد على الدور الوطنى الواعى الذى تقوم به والذى يتجاوز دورها كمؤسسة روحية ترعى الأقباط إلى إدراكها لهموم المجتمع وإسهامها فى التصدى لها وعلاجها.
وكما يتضح من المادة فإن الوثائق الثلاث التى أطلقتها الكنيسة تعنى بقضايا “حماية المرأة من العنف” و”حماية البنت من الختان” و”تنظيم الأسرة” وهى قضايا محورية ارتقت إلى مواقع الصدارة فى الخطط القومية للدولة، ولا غرابة إزاء ذلك أن تحظى مبادرة الكنيسة بمشاركة كل من المجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للأمومة والطفولة، ووفد الاتحاد الأوروبى فى مصر، وممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان.
أترك للمادة المنشورة أن تستفيض فى تغطية مبادرة الكنيسة فى القضايا الثلاث المثارة… لكنى أظل مشغولاً ومهموماً بجذور المشكلة، وهى مشكلة البنت والفتاة والمرأة فى مجتمعنا وأوجه معاناتها منذ المهد إلى اللحد… معاناة سببها الوحيد أن الله أراد لها أن تكون أنثى وذلك يعنى أن ترث ميراثاً بغيضاً من شتى أوجه عدم المساواة بينها وبين الذكر تدفع بها إلى الصف الثانى دائماً وتحكم عليها بالتبعية دائماً وتغتال حقوقها المشروعة دائماً… وأصارحكم القول بالحقيقة الصادمة التى لا أحاول من خلالها تبرئة الذكور مما يحيق بالإناث: إن المتهم الرئيسى فى كل الغبن والجور الذى تعانى منه المرأة هو المرأة نفسها… ولا تصرخوا احتجاجاً، فالمرأة عندما تلبس ثوب الأم وتضطلع بدور التربية والتنشئة والتهذيب داخل الأسرة تتحمل مسئولية جسيمة فى أسلوب ونتاج تلك التربية وتغرس الجذور والأصول والقواعد التى ينشأ عليها كل من الذكر والأنثى ويحملانها معهما إلى المجتمع… وهنا يكون الضرر قد حاق فعلاً ولا تستطيع المدرسة أو الجامعة أو الكنيسة أو المسجد أو حتى القانون أن يمحو أثره… وإليكم بعض الصور الكارثية لهذا الواقع المؤلم الذى يتصف بعدم المساواة ويصرخ من أجل المساواة المطلقة المعاشة:
المساواة فى التربية: الأم مسئولة عن غرس التفرقة بين الولد والبنت بدءًا بتفضيل الولد على البنت عياناً جهاراً فى الأسرة بحيث يرى ذلك كل من الولد والبنت فينشأ الولد على التميز وتنشأ البنت على الخنوع… ثم تتمادى الأم فى إطلاق حرية حركة الولد فى مقابل تحديد حرية حركة البنت… ثم تنحدر إلى مطالبة البنت بخدمة الولد والقيام بجميع الأعباء المنزلية الخاصة به بينما هو معفى من ذلك… والمصيبة أنه إذا كان هذا العبث التربوى يصلح أو يلتمس له العذر منذ أكثر من قرن من الزمان حين لم تكن البنت تتعلم ولا تعمل فكانت مملكتها داخل البيت بينما مملكة الولد خارجه، ماذا نقول الآن فى تلك السقطة من عدم المساواة فى زمن يطلب المجتمع ويحتاج أن تتعلم البنت وأن تعمل، بل يطلب الولد نفسه ذلك من البنت التى يقترن بها لتعاونه فى تحمل أعباء ومسئوليات الأسرة… وسأظل أنا فخوراً كلما تطرقت إلى هذه القضية بأن أسجل أننى نشأت فى أسرة لم تكن الأم فيها عاملة بل كانت متفرغة لمهام المنزل ومع ذلك كان المبدأ الدائم الذى تربينا عليه أنا الولد الوحيد وإخوتى البنات الثلاث أنه “لا فرق بين الولد والبنت”… مبدأ انسحب على أى شىء وعلى كل شىء… مبدأ فرضته أمى وباركه أبى… أتعرفون كيف باركه أبى؟… باركه بالنموذج المعاش الذى رسخه بمشاركته أمى فى جميع الأعباء المنزلية ومسئوليات الأولاد… فعل ذلك بكل روح طيبة وكان دائم الترديد: هذا ما تعلمناه فى “الكشافة” التى غرست فينا المعانى الحقيقية للرجولة.