سحر الجعارة
عندما نسمع فتوى عن «الحجامة» والعالم يكتم أنفاسه خوفا من جائحة كورونا، ولا يلاحق إحصاء ملايين المصابين والمتوفين من جراء «كوفيد- 19» لابد أن تكون لنا وقفة: أين الخطأ فى السؤال أم الإجابة؟.
تقول الفتوى: (إن الحجامة كانت علاجا موجودا فى الماضى ومازال يتم استخدام هذه الطريقة أحيانا، مع ضرورة إعادة النظر فى الحجامة وتدريسها فى كليات الطب من أجل معرفة أثرها على الصحة).. والمؤكد أن كل أشكال ما يسمى «الطب البديل» سقطت عندما أفادت هيئة ومنظمة الأدوية والأغذية الأمريكية (F.D.A) بموجب بحث طبى شامل أنه لا يوجد حتى تاريخه دليل علمى واحد على فاعلية هذه الأساليب العلاجية التى تتبناها وتدرسها كليات ما يسمى العلاج البديل.. لكن للأسف ليس لدينا هيئة مماثلة تحصى لنا ضحايا العلاج بالوسائل البدائية!.
فكم مواطن دفع ثمن أكذوبة «أعشاب عبدالباسط»، التى زعم أنها تعالج: (الأمراض المناعية، والصدفية، والإكزيما، والبهاق، والروماتويد المفصلى، والقولون التقرحى، والذئبة الحمراء).. لقد سدد ثمن أعشابه المسمومة آلاف المرضى من الفقراء والباحثين عن أمل، فيما سماه - آنذاك- «الطب البديل».. ولم يتبق لهذه الأعشاب المجهولة إلا أن تزوج العانس وترد الغائب وتجلب الرزق... إلخ الهلاوس الشعبية المرتبطة بسراب خادع يسمى «الأمل».
ولم يكن الطب وقتها فى أحسن أحواله، فقد ظهر طبيب مشهور يعالج فيروس C بقرص النحل!.. وكانت بعض الفضائيات- آنذاك- تروج للدجل والشعوذة، وحتى تكتمل منظومة الجهل وتسخيف العلم وتغييب العقل أصبح «الجان» يخرج من جسم الإنسان «على الهواء مباشرة».. ولنفترض أن وقتها كانت وزارة الصحة فى غيبوبة.. فهل تغير الوضع؟.
كنت أتوقع استثمار وجود ضيف فى مكانته لتوعية أهالى الصعيد من خطورة «كوفيد 19 المستجد» أو حثهم على التقدم لتلقى اللقاح.. الصعيد يئن تحت وطأة جائحة مميتة، وربما كان أهم دور لرجال الدين الآن هو استثمار شعبيتهم ومصداقيتهم لنشر الوعى.. لكننا نعيش فى خلطة دينية مسحورة من المغالطات الطبية، والمتناقضات العلمية والمنطقية.. نعيش فى «زار جماعى» فيه من التراث بالأساطير بالأكاذيب بالأوهام.. نتحدث عن «السحر» بألفاظ فخمة اعتمادا على أن الرسول، عليه الصلاة والسلام، سُحر «حديث آحاد».. دوشة وصخب وضجيج وتفاهة وتنطع ومزايدات دينية!.
هل تتصور رد فعل الدكتورة «هالة زايد»، وزيرة الصحة والسكان، عندما تستمع لرجل فى مكانته ينادى بتدريس «الحجامة» فى كليات الطب؟.. هل يمكنها أن تنطق وتعارضه؟.. مستحيل.
نحن نستدعى من الجاهلية أسوأ ما فيها ونزعم أنه «سنة»، وليس على الفقير حرج أيضا فحين تعجزه الحيل لا يجد أمامه إلا بول البعير والحجامة وقرص النحل.. وحين يتفشى «كوفيد» سوف يستدعى التفسير الجاهز أنه «ابتلاء من الله»، وبالتالى فالبنت التى تتأخر فى الزواج «معمول لها عمل» والعريس العاجز جنسيا «مربوط».. لأن «العلاج بالحجامة» أو «الرقية» هو ما يقدم «تفسير الحالة».
المؤكد أننا فى كارثة لا تخفيها غوغائية الفتاوى والجدل حول ما هو علمى وما هو غير علمى.. لا توجد إحصاءات محددة عما يجرى فى «سوهاج» لكن المؤكد أن أعلى نسبة إصابة بكورونا وأعلى نسبة وفيات هناك.. وبالتالى يجب أن تكون لنا وقفة.
لقد عاد «عبدالباسط السيد» مرة أخرى إلى صدارة المشهد الإعلامى، ليحدّثنا عن اختراعه لعلاج لفيروس «كوفيد 19 المستج»، وأثار الدكتور «مجدى نزيه»، رئيس قسم التثقيف الغذائى بالمعهد القومى للتغذية، ضجة حول «الشلولو»، وهى أكلة مصرية قديمة، والزعم بأن «الشلولو» تقضى على كورونا، ثم خرج الدكتور «نزيه» مرة أخرى على كل وسائل الإعلام ليؤكد أن وجبة الشلولو لا تمنع الإصابة بفيروس كورونا، ولكنها تساعد على رفع قدرة الجهاز المناعى، نظراً لما تحتويه من الثوم والليمون بنسب عالية.
إن لم يكن لديكم ما تفيدون به هذا الوطن وأهله فاصمتوا.. اليوم الكلمة العليا للعلم وللطب فلا تعيدوا الشعب لكهف الجهل المقدس والتداوى بالحجامة.
s.gaara@almasryalyoum.com
نقلا عن المصرى اليوم