محمد إبراهيم بسيوني-المصري اليوم.
بعض الأمور يجب أن تكون مستقرة وسريعة. هدف اللقاح ليس فقط حفظ الأرواح وعودة الحياة لطبيعتها بل الوصول للمناعة هو لازم وضرورى للمشاركة فى الخريطة الاقتصادية العالمية. بعض الحكومات اعتادت عدم التصرف. مع الوقت سيكتشف العالم النتائج الوخيمة لسوء توزيع اللقاح، وستتسابق دول العالم الأول للحصول على اللقاح قبل الجميع مما سيمنح الفيروس فرص التحورات التراكمية فى الدول الأفقر، وبالتالى ستضطر الدول الكبرى والغنية إلى فرض طوق حول نفسها إذا أرادت الحفاظ على ما حققته بالتطعيمات.
فاستمرار ظهور الموجات بحكم أن هناك جزءا كبيرا من الأشخاص مازالوا معرضين للعدوى سيؤثر على الاقتصاد حتمًا. وبدرجة أكبر مع كل موجة. وهذا سيقلل العائد من الضرائب على النشاط الاقتصادى. وبالتالى ستقل الحصيلة الضريبية، فى نفس الوقت الذى سيعانى فيه الناس من نقص دخلهم وعدم الاستقرار. لأن وجود العدوى بين الأفراد- حتى وإن كانت هذه الحكومات قادرة على إخفاء الأعداد الحقيقية - سيزيد من فرصة ظهور تحورات محلية. هذه التحورات ستكتشفها دول أخرى وتربطها بك ثم تغلق معك حدودها. وقتها ستكون الكارثة أكبر بكثير. نحن لسنا أقوى من بريطانيا.
الدول الكبرى فى سعيها للحصول على اللقاح وتطعيم سكانها ستفعل كل ما يزيد حصتها ويقلل فترة التطعيم. وهى إذ تفعل ذلك، تعلم يقينًا أنها تحرم دولًا أخرى من اللقاح. وهى أيضًا تعرف أن هذا الخيار له تبعات فى المستقبل. لأن الدول التى لن تحقق مناعة ضد الفيروس ستكون مصنعًا للتحورات الفيروسية. وبالتالى فإنه يجب أن نفهم أن أول ما ستفعله الدول جميعها بالتوازى مع توزيع اللقاح على سكانها سيكون رصد كل التحورات ومصادرها واتخاذ الإجراءات التى تحمى شعوبها. أى دولة تتأخر فى هذا الصراع ستكون موصومة دائمًا بكونها مصدرًا محتملًا دائمًا للتحورات الفيروسية الخطيرة أكثر بكثير من غيرها.
وبالتالى فإن الذين يناقشون موضوع اللقاح والتطعيمات باعتباره تكلفة على الدول، عليهم أن يفهموا أن المشاركة الآن وليس غدًا فى الصراع على اللقاح وفى سرعة تطعيم شعوبهم وفى توفير اللقاح بالمجان للجميع، هو صراع على التواجد على الخريطة الاقتصادية السهلة فى المستقبل القريب. الدول التى لن تنجح فى فعل ذلك، والدول التى لن تصارع من أجل اللقاح ومن أجل سرعة التطعيم تسمح لغيرها بالوصول مبكرًا لبر الأمان. والدول التى ستصل لبر الأمان ستحرق الجسور مع كل خطر محتمل، لأن تكلفة الأمان عالية.
وقتها ستكون القرارات الخاطئة هى السبب فى تضييق اقتصادى مُبرر ومنطقى. هذه الدول ستكون تحت ضغوط أكبر من غيرها. هذه الدول لن تجد سائحين. هذه الدول لن تجد مستثمرين حقيقيين فى صناعات غير مستوطنة بالفعل. هذه الدول ستكون دولًا من الدرجة العاشرة. فكّروا بالعقل وتصرّفوا بحكمة.
* عميد طب المنيا السابق