خالد منتصر
وأنا أتابع مسلسل الاختيار أهمس دوماً بسؤال صلاح عبدالصبور المؤرق الصادم والمحزن، كيف ترعرع فى وادينا كل هذا القدر من السفلة والأوغاد؟! اكتشفنا فجأة أن بين ظهرانينا وجيراننا ومؤسساتنا وجامعاتنا من يحملون غلاً وسواداً يكفى لتلويث محيطات الكوكب وأنهاره، أتساءل كيف ولماذا وأنا أرى كل هذا الكم من السلاح والرصاص والشراسة والتصميم على التدمير والتخريب؟
أتساءل كيف ولماذا وأنا أرى ابتسامة النصر على وجه من يستلذ بمشهد الأشلاء المبتورة بعد وضع عبوة ناسفة، أو دموع الثكالى والأرامل والأطفال اليتامى الذين فقدوا ذويهم وأسرهم؟! كيف ترعرع فى وادينا كل هذا الكم من الضباع البشرية التى تعتبر نفسها من مبعوثى العناية الإلهية لهداية البشر؟ الفرقة الناجية التى ستنفرد بالجنة، من محتكرى الإيمان والهداية، والعجيب والغريب والمدهش أن كل هذا الكم من الدماء ينزف زوراً وبهتاناً باسم الدين وبسكين السماء! ما تم عرضه فى مسلسل الاختيار جزء من كل، ونقطة فى محيط، فهناك الكثير والكثير من أحداث ومعارك الدم لم تذكر، لأننا لو عرضنا كل الأحداث سنحتاج سنين وسنين
كيف ترعرع فى وادينا الطيب الأخضر الذى تحضنه شمس الوضوح ويغمره طمى الكرم ويهدهده نيل النماء والصفاء، كل هذا الكم من السفلة والأوغاد والمجرمين والإرهابيين؟! عيون شريرة وجبهات مقطبة وأرواح كارهة وعقول مغسولة فارغة وضمائر مباعة فى سوق النخاسة، الوطن ساقط من حساباتهم تماماً، الإنسانية مشطوب عليها بممحاة حلم الخلافة والسيطرة، الثأر والانتقام هو الجين السائد وفصيلة الدم المسيطرة والبصمة المميزة، منهم مهندسون وأطباء ومحامون ورجال أعمال.. إلخ
كيف تم تشكيلهم العقلى والنفسى ليتحولوا إلى هذا الزومبى الذى شاهدناه واقعاً ثم تذكرناه دراما، كان صلاح عبدالصبور رحيماً حينما أطلق وصف السفلة والأوغاد على الضباع الخونة، فمن يحرق سبعين كنيسة ويقتل ثلاثمائة وخمسين مصلياً فى مسجد ويلقى بالأطفال من على الأسطح هو أكثر من سافل، من يفجر نفسه فى حى شعبى أو احتفال دينى أو يضع عبوة ناسفة فى طريق طفل أو يوجه رشاشاته لصدور الآمنين هو أكثر من وغد، تساؤل ما زال مطروحاً حول من حول الوطن إلى كرة لهب لا تهدأ لسنوات كنا نحاول فيها فقط مجرد الوقوف، تساؤل ما زال مطروحاً عن السبب والمبرر والمسوغ حتى نفلت من تلك المتاهة الجهنمية، وحتى نقطع رأس الثعبان لا ذيله، هل كل هؤلاء السفلة والأوغاد ترعرعوا فى وادينا نتيجة إهمال التثقيف والتعليم فى الماضى؟
هل ترعرعوا نتيجة هستيريا الدروشة الدينية وسيطرة الوهابية الطقوسية السلفية وتغليب صراخ الشكل على همس الضمير فى فهم الدين؟ هل ترعرعوا نتيجة منحهم الشارع يرتعون فيه كما شاءوا لقاء الطناش عن اعتلاء كرسى السلطة؟ أسئلة ما زالت بلا إجابات، وللأسف إذا لم نجد الإجابات سيظل هناك مكان شاغر فى لوحة الوطن يلونه الدم.
نقلا عن الوطن