د. مينا ملاك عازر
في زوربا'>رواية زوربا لنيكوس كازنتزاكي يلاحظ الكاتب صديق زوربا أن إبهام يده اليسرى مقطوع، وحين يسأله كيف فقد إصبعه؟ يقول زوربا إنه في إحدى المرات كان يعمل في صناعة الفخار و قد أحب هذا العمل حتى الجنون، فقد كان يأخذ حفنة من الطين و يقرر ما يريد، و يقول سأصنع جرة سأصنع صحناً، سأصنع قنديلاً، و ما عليه سوى أن يدير الدولاب و يحصل على ما يريد، لكن إبهام يده كان يزعجه، و يقف في طريق عمله، فأمسك بفأس صغيرة وقطعه، قطع زوربا جزءاً من جسده لأجل حالة خارقة أرادها أن تكون كاملة، رغم أنه يعرف أنه لن يمضي عمره في صناعة الفخار، فقد أخلص للحظة الراهنة، وأعطاها كل ما يليق بها، لأن هذه اللحظة هي اليقين الوحيد الذي يملكه، وعلى حد تعبير زوربا، لقد تخلصت من التفكير بما حدث البارحة، و لم أعد أفكر بما سيحدث غداً، أن ما يجري اليوم وفي هذه اللحظة بالذات هو ما أفكر به، ماذا تفعل الآن يا زوربا ? تعمل ? إذن اعمل بجد, تنام? إذن نم جيداً , تعانق امرأة? إذن عانقها بحرية و انسَ كل شيء آخر فالعالم لا يوجد فيه إلا هي وأنت.
سواء كان زوربا رجلاً من لحم و دم، عبر في حياة هذا الكاتب فعلا أم كان مجرد شخصية من ورق، فالأكيد هو أن كل واحد منا يملك في أعماقه زوربا مفعماً بالجنون و الرغبات و المستحيلات، زوربا أمّي بدائي يرقص بجموح ويأكل بشراهة، ويضحك ويحب و يغني ولا يخاف، ويعيش معتمداً على الحتمية القلبية التي تعطيه إياها روح بريئة لم تتعلم بعد الحذر ولا القلق، روح مازالت تملك الدهشة، وتتساءل ما اذا تعني الشجرة والبحر والصخرة والطير ويمارس بنهم طقوس الغضب والحزن والضحك والجموح والخجل والنسيان والحب الحقيقي الذي يعرينا من وقارنا، وحذرنا وحساباتنا الدقيقة.
هنا يبقى السؤال، هل لدينا تلك الروح وتلك اللحظة في حياتنا التي تستحق أن نجن بها وفيها ولأجلها لنقطع من خاصتنا شيء لنبدع في أمر ما، ولنستمتع بأمر ما، هل لدينا من يستحقون في حياتنا لكي نتخلى عن شيء مننا لكي نستمتع مثلاً بعناقهم وبحبهم أو عمل يستحق أن نخلص له حتى نخسر حياتنا لأجل أن ننجح به وربما لا ننجح أو لا ينجح هو فنخسر كل شيء للأسف.
المختصر المفيد أن وُجِد ما يستحق التضحية، فضحوا لأجله، ولا تتركوه، ولكن تأكدوا أنه يستحق، وإلا تكونوا خسرتم كل شيء.