خالد منتصر
بعد تصريحات ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان الأخيرة، التى توافق فيها مع ما طرحه د.الخشت رئيس جامعة القاهرة فى كلمته أمام مؤتمر التجديد بالأزهر فى بداية العام الماضى، تلك الكلمة التى قوبلت بهجوم شديد من فضيلة شيخ الأزهر الذى دعم بعد ذلك ما قاله ولى العهد بعدة تصريحات فى برنامجه وعلى صفحته بوسائل التواصل الاجتماعى، فهل سنعتبر ذلك اعتذاراً للدكتور الخشت أم هو مجرد تأييد لولى العهد؟.
فقد كان الهجوم على رئيس جامعة القاهرة حاداً وهو المفروض ضيف على الأزهر، وقد تم استغلال تصفيق الحشد لكلام الإمام لإضفاء طابع انتصارات مباريات الملاكمة بالضربة القاضية على موضوع فكرى حوارى بالأساس وليس ثأرياً بالمرة، وبالطبع كان الضيف محروماً من تصفيق أبناء المؤسسة الدينية التى انتقد بعضاً من مناهجها الفكرية بكل الموضوعية، ولذلك وجب بعد مرور أكثر من سنة الاعتذار للدكتور الخشت عما حدث مضموناً وشكلاً، خاصة بعد تصريحات شيخ الأزهر التى أيدت كلام ولى العهد المتطابقة مع ما طلبه رئيس جامعة القاهرة كما ذكرنا.
ولنسترجع فى نقاط سريعة ماذا قال د.الخشت والذى اعتبره البعض قد ارتكب جريمة تستحق أن يلومه عليها فضيلة الإمام ويصف كلمته بأنها كلمة غير معدة وغير مدروسة وأنها مجرد تداعى أفكار، وأن التجديد يكون فى بيت والده...الخ، ملخص النقاط التى قدمها د.الخشت فى ورقة البحث هى:
- ضرورة تطوير العقل الدينى القديم وتأسيس خطاب دينى مختلف بمفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة، بتكوين عقل دينى جديد، والعقل الدينى ليس هو الدين.
فلا تكوين لعقل دينى جديد دون تغيير طرق التفكير وتطوير علم أصول الدين فإننا لن نستطيع أن نجعل إنساناً متسامحاً وهو يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة ويجزم بأن الآخرين على باطل، ولن نستطيع بث أفكار عقل مفتوح فى عقل مغلق. فالعقل المغلق ليس مجهزاً لاستقبالها مثلما أن التلفاز الأبيض والأسود ليس مجهزاً لاستقبال محطات البث الفضائى الإتش دى.
- لكى نقوم بإحداث نهضة لا بد من الرجوع إلى فلسفة التاريخ، وهى تكشف عن أن عصور الانتقالات الكبرى لا تجرى إلا بتغيير طرق التفكير، وهو ما قام به الأنبياء الكبار والفلاسفة والمصلحون الدينيون والقادة السياسيون الكبار.
- الواقع الحالى الذى نعيشه يوضح حتى الآن أن العلوم الدينية التى نشأت حول النص الدينى تجمدت وابتعدت عن مقاصده، وتم تحويل النص الدينى من نص (ديناميكى مفتوح) يواكب الحياة المتجددة، إلى نص (استاتيكى جامد) يواكب زمناً مضى وانتهى.
- تطوير علوم الدين وليس إحياء علوم الدين:
عندما ظهر دعاة الإصلاح بداية من القرن التاسع عشر، ودعوا إلى التحديث والإصلاح الدينى لم يقم أى منهم بمحاولة «تطوير علوم الدين»، بل قاموا بـ«محاولة إحياء علوم الدين»، كما تشكلت فى الماضى، وكأن النهضة تحدث بإحياء العلوم القديمة، على الرغم من أن العلوم القديمة هى علوم بشرية نشأت لكى تواكب العصر الذى وُجدت فيه من مختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبالتالى قد لا تكون مناسبة لعصور أخرى لها ظروفها وواقع حياتها التى قد تتباين تبايناً جلياً عن سابقتها.
- نقاط الضعف التى يجب أن نثور عليها هى: الخلط بين المقدس والبشرى، وأن علم التفسير القديم يقوم على الصواب الواحد، وليس على تعددية المعنى وتعددية الصواب، سيادة العقيدة الأشعرية، وقال الخشت أنا مسلم ولست أشعرياً، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن أشعرياً، الخلط بين الإسلام والموروثات الاجتماعية، عدم التمييز بين قطعى الدلالة من النصوص وظنى الدلالة، وبين اللاتاريخى (الثابت) والتاريخى (المتغير) فى الأحكام الشرعية، وعدم التمييز بين الإسلام والمسلمين، الرؤية الأحادية للإسلام، عدم التمييز بين الأحاديث النبوية المتواترة والأحاديث الآحاد.
هذا ملخص ما قاله د.الخشت أمام شيخ الأزهر، أكتبه بعد هدوء غبار المعركة ومرور أكثر من سنة، وأتساءل: هل هذا الكلام جريمة؟ ومن الذى يجب عليه الاعتذار؟
نقلا عن الوطن