مع التطور التكنولوجي والتقني الهائل في شبكات الأنترنت وانتشار الهواتف الذكية والكمبيوتر المتنقل, ازداد استخدام الأطفال والمراهقين للألعاب الإلكترونية, نظرًا لما تحتويه من تأثيرات بصرية وسمعية وحسية المتنوعة, بالإضافة إلى اقتناعهم التام بأن هذه الألعاب توفر لهم التسلية والمرح, ولكن في حقيقة الأمر فهي تتسم بالخطورة القصوى, في حالة الإفراط في استخدامها دون الشروط والضوابط محددة, فالكثير منها مستوحى من الصراعات والحروب, مما يترك أثرًا نفسيًا وسلوكًا عدوانيًا سيئًا عند الأطفال والمراهقين.

 
وكانت فترة الإجراءات الاحترازية والإغلاق الجزئي التي تسبب بها فيروس كورونا, أدت إلى زيادة أوقات الفراغ لدى المواطنين مما نتج عنه نمو ملحوظ في مستخدمين ألعاب الفيديو, وأصبحت جزء لا يتجزأ من حياة الكثير, غافلين عن امتلاكها للعديد من الجوانب السلبية, والتي تصل في بعض الأحيان إلى الانتحار, الأمر الذي تكرر بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
 
التأثير النفسي والبدني
أكد الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي, أن هذه الألعاب سببت حالة من الإدمان للأطفال والمراهقين, كما أنها تؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية, حيث أدت إلى زيادة حالات التوتر والقلق والاكتئاب وقلة الثقة بالنفس, بالإضافة إلى فقدان مهارة التواصل مع الآخرين, والميل إلى الوحدة، وضعف الانتباه والتركيز، وقلة التحصيل الدراسي.
 
ومن جانب أخر أوضح فرويز أن هناك آثار سلبية على الناحية الجسدية, ومنها آلام الظهر ومشاكل العمود الفقري, وضعف البصر نتيجة الجلوس لساعات طويلة أمام الحاسوب أو الهاتف المحمول, بالإضافة إلى السمنة بسبب تناول كميات كبيرة من الطعام دون الانتباه, والإصابة بالتشنجات العضلية والعصبية نتيجة التركيز الزائد في هذه الألعاب, كما أنها تزيد من احتمالية حدوث نوبات الصرع لدى الأشخاص الذين لديهم استعداداً لذلك.
 
وسائل الجذب
وأشار استشاري الطب النفسي إلى أن الطفل ينظر لهذه الألعاب بأنها وسيلة للترفيه وقضاء وقت الفراغ, ويرجع ذلك إلى ما تحتويه هذه الألعاب من وسائل تجذب الطفل لها, والتي تجعله يفقد إدراكه للواقع المحيط به, مثل الإثارة والتشويق وتواجد المنافسة بين اللاعبين.
 
حيث يندمج المراهقون مع مراحل الألعاب ويصبح هدفهم الأساسي هو تحقيق المطلوب في كل مستوى للانتقال للمستوى التالي, خاصة أن كل مرحلة تكون أصعب من السابقة مما يحفز لديهم شعور التحدي والمنافسة, بالإضافة إلى تصميم اللعبة الذي يعتمد على ألوان ومؤثرات تجذب الانتباه.
 
الخطورة الاجتماعية
ومن جانب أخر يفرح الأهالي بتفاعل صغارهم مع تكنولوجيا العصر بسهولة, وتعلمهم بعض مفردات اللغة الإنجليزية, غافلين عن كارثة تواصل أطفالهم مع أشخاص غرباء بعيدون كل البعد عن ثقافتهم وعاداتهم وافكارهم, مما يشكل خطرًا عليهم مع إمكانية استغلال صغر سنهم.
 
كما تقوم الألعاب الإلكترونية على مبدأ "دس السم في العسل", حيث يتعلم الأطفال منها ثقافة العنف والقتل وتدمير المنشآت ومواجهة رجال الشرطة, بالإضافة إلى الجماعات الارهابية التي أصبحت تستغل انخراط المراهقين في عالم هذه الألعاب وتقوم بتجنيدهم وإقناعهم بإنضمامهم لهم.
 
دور الأسرة
وأشارت دكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس, أن الأسرة هي التي تتحمل مسئولية المشكلات الناتجة عن كثرة استخدام الأطفال والمراهقين للألعاب الإلكترونية, وبالتحديد الأم لأنها بمثابة القائد, ويجب أن تهتم بكل ما يخص الأبناء من خلال معرفة التطبيقات التي يستخدمها على الهاتف المحمول, والأنشطة التي يقوم بها.
 
واستكملت سامية خضر أن أسهل طريقة تتخلص بها الأم من كثرة مطالب الأولاد هي إعطائهم هاتف المحمول لاستخدام الألعاب الإلكترونية, لأنها كافية لإسكاتهم, حيث تقوم هذه الألعاب بإدخالهم في عالم افتراضي ينفصلوا فيه عن الواقع لساعات طويلة, مما ينتج عنه إدمان الأطفال لهذه الألعاب دون اكتراث الأهل عن تأثيرها النفسي والاجتماعي والعقلي على الأطفال, والتي تصل في النهاية إلى حد الانتحار.
 
نصائح لتجنب مشاكل ألعاب الفيديو للأطفال
وعن كيفية حماية الأبناء من التأثيرات السلبية للألعاب الإلكترونية قالت سامية خضر إن لا بد من مشاركة الوالدان في اختيار الألعاب التي تتناسب مع أعمار أبنائهم, بالإضافة إلى القيام بمراقبتهم, وذلك لتجنب أي خطر ناتج عن فضول الأطفال في هذا السن الذي يدفعهم إلى اكتشاف كل ما هو غريب, حيث يمكن الانتقال بسهولة إلى أشياء أخرى لا تتناسب معهم.
 
وأضافت أن من المهم تحديد عدد معين من الساعات لممارسة تلك الألعاب, بألا يتعدى ساعتين خلال اليوم كحد أقصى وبعد إكمال واجباتهم المدرسية وغيرها من المهام الأخرى، كما حذرت من استخدام الأطفال للألعاب الإلكترونية في غرفهم الخاصة, وحتى يظل الطفل تحت رقابة والديه، وذلك يفيد ايضًا في فتح حوار حول الألعاب مع الطفل والوالدان مما يزبد من التواصل بينهم.
 
واستكملت سامية خضر أن من الضروري توفير بدائل ممتعة للأطفال والمراهقين من خلال ممارسة الألعاب الرياضية الجماعية أو الفردية, وذلك لتقليص أوقات الفراغ لديهم, حتي يكون اليوم لديهم ينقسم بين المدرسة والأنشطة الرياضية، بالإضافة إلى أنه ينمي لديهم الشعور بالنجاح.
 
كما شددت أستاذة علم الاجتماع على ضرورة شرح الآباء لأطفالهم أن هذه الألعاب تضر صحتهم النفسية والجسدية, بدلاً من منعهم عن استخدامها دون ذكر الأسباب, بالإضافة إلى حث الأطفال على القراءة والاطلاع بكتب بسيطة في عرضها حتى تتناسب مع المرحلة العمرية, وتحفيزهم على النجاح من خلال إلقاء الضوء على شخصيات ناجحة من أقاربهم.
 
إيجابيات الألعاب الإلكترونية
وأكد المختصون أن بعض الألعاب الإلكترونية لها إيجابيات لا يمكن الإغفال عنها, والتي تتمثل في مهارة اتباع التعليمات وحل المشاكل والتفكير والتحليل العميق واتخاذ القرارات بطريقة حاسمة، بالإضافة إلى قوة الملاحظة, ولكن من أجل الحصول على هذه الإيجابيات يشترط الاختيار الصحيح للألعاب قبل ممارسة الطفل لها, نظرًا لما لها من تأثير كبير عليه سواء بالسلب أو بالإيجاب.
 
مبادرة للتوعية من المخاطر
نتيجة لخطورة وكثرة سلبيات الألعاب الإلكترونية على الأطفال والمراهقين, أطلقت معلمة مصرية في محافظة الإسكندرية مبادرة لتوعية وحماية الطلاب من خطر هذه الألعاب, تحت شعار "مكافحة ألعاب الإنترنت العنيفة" حيث تهدف التخلص من حالة الإدمان التي أصابت الجيل الحالي, وتعتمد المبادرة على حجج ودلائل عديدة للإقناع الطلبة, ومنها شرح مبسط لتأثيرات هذه الألعاب على صحتهم النفسية والجسدية.
 
منظمة الصحة العالمية
والجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية وافقت على الاعتراف بإدمان الألعاب الإلكترونية كاضطراب في الصحة العقلية, ولكي يتم تشخيص هذا الاضطراب, يجب أن يلعب الشخص ألعاب الفيديو لدرجة إعطائها الأولوية في حياته عن الاهتمامات الأخرى, وينعكس هذا التغيير في التصنيف الدولي للأمراض التابع لمنظمة الصحة العالمية، وهى قائمة يستخدمها مقدمو الخدمات الصحية كدليل توجيهي لتشخيص المرضى.