هاني لبيب
ما يحدث للشعب الفلسطينى هو انتهاك لجميع الأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يُحتِّم علينا مراعاة بعض الأفكار المهمة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية فى مجملها..
أولًا: لا يزال بيننا مَن يقومون بالمزايدة على الموقف المصرى، فهناك مَن يروج لفكرة خبيثة بهدف توريط الجيش المصرى فى صدام مع إسرائيل، متجاهلين إجراءات غير مسبوقة اتخذتها مصر، خلال الأيام القليلة الماضية، لدعم الشعب الفلسطينى، الذى يدفع ثمن الرهانات الخاطئة لبعض قياداته منذ رفضهم مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات، والتعنت والتشدد فى المفاوضات، مما تسبب فى ضياع فرص كثيرة كانت كفيلة بتحقيق مكاسب سياسية من الصعب الحصول عليها الآن.
ثانيًا: يتجاهل بعض رواد «فيس بوك»، عن عمد، الجهود المصرية المتقدمة منذ ما أكثر من 40 عامًا من أجل التوافق وفرض السلام، وتناسوا تعنت بعض القيادات وتمسكهم بإغلاق أبواب المفاوضات لمصالح يستثمرها أصحابها لتحقيق مصالح شخصية ومكاسب مالية وزعامة افتراضية، ثم فى مراحل أخرى.. عدم الالتزام بالاتفاقات والمعاهدات. وكان الأمر ينتهى كل مرة بالمزيد من تصدير صورة حركة حماس بأنها لواء الجهاد فى المنطقة العربية، بعيدًا عن أى إنجاز حقيقى على أرض الواقع أو موقف واضح من قضيتهم الفلسطينية أو فى مستقبل شكل العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وأصبح من الواضح تراكميًا من خبرة المواقف السياسية أن هناك أطرافًا داخل فلسطين وخارجها تستحسن بقاء الأزمة الفلسطينية بهذا الشكل.
ثالثًا: قام الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب باتخاذ قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس دون إلزام الولايات المتحدة بأى التزامات سياسية لأن الأمر تم بمجرد خطاب رسمى، وليس اتفاقية مُوقَّعة مُلزِمة حرفيًا، بل ترك العديد من المشكلات المعلقة، وأبرزها موضوع الحدود والسيادة الوطنية لأرض محل نزاع وقضية قطاع غزة، كما لم يحسم بوضوح القدس التى تحدث عنها، سواء كانت القدس الشرقية أم القدس الغربية لما لهذا الأمر من أهمية تخضع للمفاوضات المباشرة الفلسطينية الإسرائيلية، لذا فإن قضية القدس تحديدًا قضية سياسية فائقة الحساسية، وهو ما يستلزم دقة التعامل سواء فى التصريحات أو المعلومات أو المفاوضات أو المواقف التى يمكن أن تحقق نتيجة ملموسة لصالح الشعب الفلسطينى بعيدًا عن أى شكل من أشكال التوظيف لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.
رابعًا: كتبت كثيرًا أننا نحتاج إلى إعادة تصدير القضية الفلسطينية للرأى العام الأوروبى والأمريكى، ونموذج ذلك الدالّ هو التناول الإعلامى والسياسى لقضية القدس على اعتبار أنها قضية وطنية وإنسانية بالدرجة الأولى، وليست قضية دينية إسلامية لأن اختزالها فى فكرة أنها قضية دينية إسلامية يتسبب فى وجود فجوة ضخمة مع دعم المسيحيين العرب ومساندتهم لها، خاصة أن المقدسات المسيحية فى القدس تزيد على المقدسات الإسلامية.
التعامل مع القدس على اعتبار أنها قضية وطنية فلسطينية لها بُعد إنسانى وحضارى عالمى من شأنه أن يزيد من الدعم والتضامن معها من جميع المواطنين فى المنطقة العربية وغيرها من المسيحيين والمسلمين على السواء، وللمسيحيين خاصة لما تمثله من قيمة دينية لهم لأنها المدينة التى شهدت حياة السيد المسيح.
نقطة ومن أول السطر..
جهاد «فيس بوك» هو جهاد افتراضى لا تأثير له، ويكفى ما دفعته مصر من دماء شبابها وقوة اقتصادها كـ«فاتورة» لأخطاء غيرها. ودورها الحقيقى هو ما تقوم به الآن من دعم الشعب الفلسطينى ومساندته عمليًا، وطَرْق أبواب المفاوضات طبقًا للقوانين والعلاقات الدبلوماسية الدولية، دون أى تحركات انفعالية وحنجورية.
نقلا عن المصرى اليوم