د.ماجد عزت إسرائيل

 سياق جغرافي وتاريخي لقبرص 
 
يحدها من الشمال تركيا ومصر من الجنوب،وفلسطين من الجنوب الشرقي، ومن الشرق سوريا ولبنان وشمال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن الغرب واليونان. وتُعتبر قبرص ثالث أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط؛ حيث تبلغ مساحتها 9,251 كيلومتر مربع. أما عن عدد سكانها؛ فإنها تقع في المرتبة 157 من حيث عدد سكانها، حيث بلغ عدد سكانها 1,213,537 نسمة بحسب إحصائيات عام 2021م. وقد احتلت قبرص من قبل العديد من القوى الكبرى، بما في ذلك إمبراطوريات الآشوريين والمصريين.
 
حتى استولى الإسكندر الأكبر على الجزيرة عام 333 قبل الميلاد. تم ضم الجزيرة لاحقًا إلى مصر البطلمية، ثم الإمبراطورية الرومانية الكلاسيكية والبيزنطية، ثم الحكم الإسلامي لفترة قصيرة، وسلالة لوزينيان الفرنسية وجمهورية البندقية، أعقب ذلك أكثر من ثلاثة قرون من الحكم العثماني بين 1571 - 1878 (رسميًا حتى عام 1914).
 
ووأخيرًا، شهدت قبرص في( 15 يوليو 1974م) انقلابًا من قبل القبارصة اليونانيين وعناصر من المجلس العسكري اليوناني في محاولة لضم قبرص إلى اليونان.عجّل هذا الإجراء من الغزو التركي لقبرص في 20 يوليو 1974م، مما أدى إلى احتلال شمال قبرص في أغسطس 1974م، وفي عام 1983م  أُنشئت دولة قبرصية تركية منفصلة في الشمال؛ وقد أدان المجتمع الدولي هذه الخطوة على نطاق واسع، ولم تعترف أي دولة بالدولة الجديدة سوى تركيا. وتحتوي قبرص على 6 مقاطعات، واحدة منها توجد بشكل كامل في قبرص التركية وهي كيرينيا، وثلاثة منها تقع أجزاء منها في قبرص التركية، وهي فاماغوستا، ولارنكا، ونيقوسيا، والمدينة الأخيرة هي عاصمة دولة قبرص.
 
ويوجد بذات الجزيرة مناطق سياحية نذكر منها شاطئ نيسي، ومقابر الملوك، قلعة بافوس، بُحيرة لارنكا المالحة، متحف قبرص. 
دير القديس أنبا مقار(دير سورب ماغار)
 
موقع الدير
يقع هذا الدير في موقع خلاب في الشرق غابة بلاتانيوتيسا، على بعد حوالي كيلومتر ونصف إلى الغرب من هاليفجا التي تحتلها حالًيا تركيا، على ارتفاع (530م) من أراضيها الشاسعة (إجمالاً 8.329 دونم أو 1.114 هكتار) التي تمتد حتى شاطئ البحر وتشتهر المنطقة بزراع أشجار الزيتون والخروب، وذات المنطقة(الدير) شاعرية ، يمكن للمرء أن يحدق في برج الثور سلسلة الجبال في قيليقية ، وخاصة خلال الشتاء، عندما تكون الرطوبة منخفضة والقمم مغطى بالثلج.
 
تاريخ إنشاء هذا الدير  
يرجع تاريخ إنشاء هذا الدير القبطي إلى عام(1000م) أي ربما في أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشرة الميلادي. وقد نشأء الدير بمناسبة ذكرى القديس مكاريوس ناسك الإسكندرية أو الأنبا مقار الكبير (حوالي عام 300-391) وهو مؤسس الرهبنة في برية الاسقيط، ويُطلَق عليه القديس الأنبا مقار الكبير، تمييزًا له عن القديس مقاريوس الصغير الإسكندري الذي كان مُعاصِرًا له. وهو أحد الثلاث مقارات القديسين. الذي بدأ توحده في شيهيت حوالي عام 340م( دير البراموس) وتأثر جدًا بالعظيم أنبا أنطونيوس، وقد زاره علي الأقل مرتين. المرة الأولى عام 343م، والثانية عام 352م. وقد تسلَّم من القديس أنطونيوس فضائله وتعاليمه، وألبسه أنطونيوس الإسكيم المقدس، وسلَّمه عكازه؛ فكان هذا نبوة عن تسلُّم مقاريوس رئاسة الرهبنة بعد أنطونيوس. وقد شهد له القديس أنطونيوس بأن قوة عظيمة كانت تؤازره بقوله له: ”إن قوة عظيمة تخرج من هاتين اليدين“. واكتشف هذا القديس أن الفهم الحقيقي للتوحد ليس هو مجرد العزلة عن البشر، بل هو الرغبة الصادقة للاتحاد مع الله محب البشر. وأن المتوحد الحقيقي يهرب بالجسد عن البشر لكنه عمليًا يحب كل إنسان. و- حسب التقليد - قد قضى بعض الوقت في كهوف المنطقة كنساك. وقد عاش أنبا مقار في الأيام، وشاخ جداً، حتى بلغ سنه تسعين سنة. وفي المخطوطة القبطية يقول سيرابيون إنه عاش سبعة وتسعينعامًا. وكان وجهه يضيء بالنعمة، بصورة ملفتة للنظر، حتى أن آباء كثيرين شهدوا بأن وجهه كان يضيء في الظلام، فأسموه بالمصباح المضيء. وقد انتقلت هذه الصفة أو هذه التسمية إلى ديره، فدُعي كذلك بمصباح البرية المضيء أو الدير المضيء، مكان الحكمة العالية والصلاة الدائمة.
 
الخلاصة أن دير مقاريوس أو دير سورب ماغار في منطقة بلاتانيوتيسا يشبه تمامًا نمط فنون العمارة القبطية في تشيد المنشوبيات، أو الأديرة، كمان أن طريقة عمل سقف الدير بالخشب ومن طبقتين  وبينهما الأحجار وهذه طريقة قبطية. أما سور الدير فتم تشيده بعد أن تركه الأقباط لأرمن قبرص. وقد ظل هذا الدير منذ تشيده في أواخر القرن التاسع الميلادي وحتى الربع الأول من القرن الخامس عشر تحت سيطرة وإدارة الكنيسة القبطية. ومن الجدير بالذكر كان للأقباط أسقفية كبيرة في قبرص منذ عهد الدولة العباسية وحتى نهاية دولة المماليك، وأن الدير شهد مرحلة إزدهار خلال القرن الفترة مابين القرن العاشر وحتى القرن الرابع عشر الميلادي وأن دل ذلك على شىء إنما يدل على الوجود القبطي في قبرص، وربما بعد سقوط القسطنطينية ودولة المماليك في يد العثمانيين بدل الوجد القبطي يقل تدريجيًا بقبرص. وفي فترة قداسة البابا شنودة الثالث(1971-2021م) عاد الوجود القبطي إلى قبرص مرة أخرى. 
 
الأرمن ودير القديس أنبا مقار(دير سورب ماغار) 
 مع حلول عام 1425م، كان الدير قد أصبح في حيازة الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية ربما تركته كنيستنا القبطية للكنيسة الأرمنية الشقيقة وهذ يدل على قوة العلاقة والتعاون ما بين الكنيسة القبطية والأرمنية أصحاب طبيعة الإيمان الواحد. وعلى مدار عصور الفرنجة والبندقية (1192-1489-1570) ، اشتهر رهبانه الأرمن بالتشدد الشديد بقواعد الحياة الرهبانية أي حياة التوية والزهد والفقر الإختياري. وكان محط أنظار للمؤمنين؛ وقد ذكر أن رهبانه خلال الصوم الكبير(المقدس) تجنبوا تناول البقول التي يمكن أن يحتمل تحتوي على حشرات مثل الفول والعدس. أثناء العصر العثماني (1571-1878).عرف الدير بالدير الأزرق ويرجع ذلك لستائر الأبواب والنوافذ. ولعب الدير دور كمحطة على الطريق للمسافرين والحجاج في طريقهم إلى الأراضي المقدسة (القدس).  
 
  وقد ذكر ألكسندر مايكل حجيليرا  رواية تاريخة عن دير سورب ماغار حيث ذكر أنه في عام   أن 1140 لجأ إليه أمير كيليكيا ثوروس الثاني للهروب من مدعيه. كما فعل كينج هيو الرابع عام 1348 للهروب من وباء الموت الأسود. وكان منطقة الدير مكان استجمام للأرمن ورجال الدين من قيليقيا والقدس، ومن أشهر هؤلاء كان أبوت مخيتار سبسطية (1676-1749) ، الذي رعته الرهبان حتى شفي من الملاريا في صيف عام( 1695م). بينما المعلم فاهان كوركجيان (باجوران) أعجب بعمل الأباتي مخيتار: في عام 1901  حيث شيد دار الأيتام مع طلاب الوطنية . وقد عاني الدير ماليًا لدرجة وصلت إلى أن الارشمندريت ميسروب في  عام 1642م طالب العثمانيين بإصدار فرمان استثناها للإعفاء من الضرائب، وقد تم ترميمه أكثر من مرة في الفترة(1650 -1750م)وتعتبر هذه الفترة العصر الذهبي للدير في ظل وجود الرهبان الأرمن.
 
   بينما بين (1811- 1818)  قام سمعان آغا قام بترميم كامل للدير فتم بناء الكنيسة الصغيرة إلى الشمال من الأقدم وافتتح في 3 يناير 1814. يبدو أن آخر الرهبان أقاموا بشكل دائم هنا قبل عام 1800. في عام 1850 أصبح ملحق لكنيسة العذراء مريم في نيقوسيا. تم إجراء تجديد على نطاق صغير في عام 1866م، بتكليف من البطريرك الأرمني القسطنطينية بوغوص تاكتكيان الذي حاول إحياء الرهبنة الأرمنية بذات الدير - دون جدوى - بذلت محاولات مماثلة في 1837 و 1947 بواسطة كاثوليكو ميكائيل وكاريكين. ومنذ العهد العثماني وحتى منتصف العشرينيات من القرن الماضي ، سكنت المنطقة المجاورة عائلات أرمنية وكان للدير دير روحي كبير في ذلك الوقت. كما جاءت لمنطقة الدير بعض اللاجئين من مجازر الحميدية (1894-1896) ومجزرة أضنة  (1909) ،وسكنوا بجانبه وفي ذات اللحظة لعب الدير دور في رفع الروح المعنوية للاجئين وأيضًا تنشئة الأطفال الأرمن ورعايتهم اجتماعيًا. 
 
   على أية حال، في عام 1909 قام  ورثة أرتين آغا مغليان بتشيد غرفتين. ربما ما بين عامي 1921-1922 . وفي عام 1926م تم تجديد الكنيسة والجرس، وطريق معبد ليربط الدير بالمناطق المجاورة، وبالتالي السماح بسهولة الوصول إلى الدير. في عام 1929 تم تجديد الدير وتم وضع البوابة الحديدية بتكليف من بوغوص وآنا ماجاريان. كانت الساحة الواقعة شرقي الدير شيدته لجنة كاثوليكوس ساهاج الثاني الذي افتتحه وكشف النقاب عن تذكار عمود حجري في 8 سبتمبر1933. وما بين( 1947-1949م) كان آخر ترميم للدير تحت إشراف فهرام تونتيان  كانت المشكلة الرئيسية للدير هي نقص المياه.  في عام 1949 تبرع كل من سركيس وسوربيج مرعشليان،بتركيب شبكة لتوزيع المياه، ثم تم تركيب التوربينات ومولد الكهرباء، كما يوجد نقش وحيد عن المجمع الرهباني للدير.ويشتهر الدير بأشجار الرمان، والحمضيات والكركديه ووفرت أجواء هادئة للزوار. ومنذ  منتصف القرن العشرين بدأ تقليص مساحة وخاصة منطقة الساحل التابع للدير من 1 كم إلى 40 م. وفي عام  1966 زارها المطران مكاريوس الثالث الدير، وزرعت فيه شجرة أراوكاريا ومنح الدير مبلغًا ماليًا لتشيد معمودية جديدة بالدير وقد تم تعميد العديد من الأطفال الأرمن في عام 1968م وظل الدير يقوم بدوره حتى عام 1974م.  
 
 ويوجد العديد من المخطوطات كتب بدير سورب ماغار مكتوبة في نصوص الدير بين  ما بين 1202-1740 ،  في عام 1947 ، تم نقل 65 مخطوطة مزخرفة إلى كاثوليكوسية قيليقية في أنطلياس واعتبارًا من عام 1998 يتم الاحتفاظ بهم في "كيليكيا" متحف الكاثوليكوسية. وقد سرقت أيقونات الكنيسة. ولسوء الحظ ، تم احتلال Magaravank من قبل الأتراك في 14 أغسطس 1974. الحقل الأخير اختار الحارس جرابيد طختاريان ، 75 عاما ليبقى محصوراً في الدير حتى توفي في مارس 1975. 
 
دير القديس أنبا مقار(دير سورب ماغار) وسلطات الاحتلال العثماني  
بعد ذلك،استخدم النظام المحتل الدير كمسكن في البداية مستوطنون غير شرعيين من الأناضول وفيما بعد عائلات الضابط التركي. كان المجمع تضررت جزئيا من حريق في يونيو 1995. بين -1999 ومرة أخرى في 2005م سعى الاحتلال 1998 إلى تحويله إلى  فندق به كازينو50 يضم سريرًا ؛ بفضل ردود الفعل المنظمة، تم تجنب هذه الخطة غير المقدسة.
 
  في أبريل 2006 الطائفة الأرمنية القبرصية كانت قادرة على زيارة الدير المهجورة لأول مرة منذ عام 1974. بفضل مبادرة الممثل السيد فارتكس المهدسية والعرقية ، وتحت إشراف قوة الأمم المتحدة، الحج السنوي تم إحياؤه في 6 مايو 2007 ، بالمشاركة حوالي 250 شخصًا إلى الدير المهجور، بما في ذلك بعض الذين جاءوا على وجه الخصوص دير سورب ماغار – حاليًا  من الخارج؛ تكرر الحج يوم10 مايو 2009 ، 9 مايو 2010 ، 8 مايو 2011 ، 13 مايو 2012 ، 19 مايو 2013 ، 18 مايو 2014 ، 10 مايو 2015 و 8 مايو 2016 ، بمشاركة عدد كبير من الحجاج. في 17 مايو 2016 تم إدراجه كنصب تذكاري قديم يعود تاريخيه إلى أقباط مصر. ما بين عامي  2018-2019 نفذت لجنة التراث الثقافي دراسة جدوى للمجمع الرهباني وترميمه الجزئي ، والذي بدأ في عام 2020 ، ومع ذلك - بسبب الموقف مع فيروس كورونا - التقدم بطيء- وفي أبريل الماضى 2021م قام مجموعة تابعة لسلطات الاحتلال العثماني حفلة موسيقية بداخله مما أثار غضب الرأي العام الأرمني والعالم المسيحي. 
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يطالب صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني المجتمع الدولي بحمايته من التدنيس العثماني سواء عن طريق هيئة الأمم المتحدة أو  منظمة اليونسكو؟ وهل يعود دير القديس  دير سورب ماغار إلى الكنيسة الأرمنية الشقيقة بعد فراق استمر أكثر من 47 عامًا تحت سيطرة سلطات الاحتلال العثماني؟ نتمنى عودته ونعمل به مذبح صغير على اسم القديس أنبا مقار أو مقاريوس الكبير تذكاراً لتاريخيه وعطائه في الحياة الرهبانية – وأكيد بالتعاون مع الكنيسة الأرمنية – وأخيرًا هذا الدير يعد رمز للعلاقة القوية ما بين الكنيسة القبطية والأرمنية، وأيضًا نموذجًا يحتذي به في كل بقاع العالم للرهبان القبط " اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ." (عب 13: 7). كل الشكر والتقدير للسيد ألكسندر مايكل حجيليرا  على اهتمامه بهذا الدير وتسجيله أدق المعلومات القيمة التي تخصه ونشرها: الحياة الأرمنية ، الوطنية الثقافية العامة الإلكترونية الدورية( 23 أبريل 2021). وأيضًا الصديق العزيز الأرمني م. جيرار .