بقلم المهندس باسل قس نصر الله، مستشار مفتي سورية
يُناقش العديد مِن الناس، محاور إعادة البناء، وأتابع بدوري هذه المناقشات التي تدور على الساحة السورية، والتي تهدف إلى كيفية الإعمار ومستقبل الإعمار وطرق الإعمار مروراً بهيكلية الإعمار وأسسهِ وأركانهِ ومستوياته وغيرها الكثير من الصفات التي نُلحق بها كلمة الإعمار، ونُقيم الندوات حولها، مؤكدين بأن الإعمار يلزمه التلاحم بين فئات الشعب، ناهيك عن التلاصق والتعانق والإنصهار والتلاقي، وغيرها من طاولات الحوار التي تراوحت بين إعمار البنية التحتية وإعادة الإعمار الإقتصادي والسياحي والزراعي ورعي الماشية وغيرها، حتى نصل لإعادة هيكلية الرقص الشعبي.
وننسى أو نتناسى عملية مهمة لكي نبني مجتمعنا السوري بعد سنواتٍ تجاوزت العشرة، ألا وهي "الفساد".
لا تستغربوا كثرة هذه الندوات والطاولات، فكلمات مثل إعادة الإعمار والأزمة ومحاربة الفساد، أصبحت كلمات مغرية يقوم من خلالها الكثير مِمَن يَدَّعون محاولة وضع قدراتهم الخارقة - أين منها غريندايزر وسوبرمان أيام زمان - ونظرتهم الإستراتيجية بعيدة المدى في خدمة المواطن، ولكي تكسب كلماتهم المصداقية، يؤطرون كل ذلك تحت غطاءٍ من القلانس والعمائم.
أضحك من أولئك الذين كانوا رموزاً للرشاوى والسرقات والصفقات، أبناء الدعة والسعة والرفاهية، والذين كانوا تماثيل ناطقة للفساد الأنيق، والذين تحولوا الى رموزاً للمال ورموزاً اجتماعية أو خيرية. فلا يكفي أن يقف بجلالٍ للإستماع إلى النشيد الوطني ليصبح رمزاً من رموز الوطنية.
بفساده هو وإفساده، من أجل مصالحه الخاصة، أتاح الثغرات وااأبواق التي ساهمت إلى ما وصلنا إليه اليوم.
والآن يأتي بوقار ليطرح نفسه مصلحاً يتغطّى بقلنسواتٍ وعمائمٍ كان يقدم لها المال.
الفساد الحالي يأتينا بصورة جديدة، إنه الفساد الخيري والفساد الوقور.
موظف كبير في دائرةٍ، يلبس الوقار والهدوء، أحذيته من ٍريد شوز"، وقمصانه من "كالفن"، والكرافات من "بيير كاردان" ولباسه الرسمي من "إيف سان لوران" ووووو .....، ينظر الناس إليه وكأنه نور او ملاك، ثم نعلم أنه فاسد وانه سَرق وارتشى وباع واشترى.
هل يريدوننا اليوم أن نصدِّق أن الفاسدين أصبحوا الآن ضد الفساد، وأنهم تحولوا بقدرة قادر إلى "الأم تيريزا".
يتغطون تحت أسماء بعض رجال الدين الإسلامي والمسيحي، لا بل أصبح هؤلاء البعض من رجال الدين شركاء لهم.
هؤلاء الفاسدين منهم من انتقل من بيئة بسيطة إلى منزل للعائلة ومزرعة وأولاد يدرسون في جامعات خاصة وصديقة حميمة تشاركه راحته وجلسات نرجيلته.
إنهم فاسدون أخلاقياً قبل فسادهم المالي.
ببزاتهم الأنيقة، وشعرهم المصبوغ وسياراتهم الفارهة "الخاصة أو الحكومية"، ورياضاتهم للمحافظة على كمال أجسامهم، وابتساماتهم وتسلّقهم ووقارهم المصطنع، كل ذلك كان "البرستيج" الذي يتخفّون خلفه.
يلعبون لعبة الطائفية لأنها حصن الفساد والإفساد في المجتمع.
يقدمون الهدايا للمساجد والكنائس ليتسلقوا من خلالها مناصب تتيح لهم المزيد من الفساد.
يسرقون ثم يوزعوا فتات موائدهم على "الدراويش والغلابى".
يصبح البعض منهم مدراء وأدنى أو أعلى والفساد معهم، يرتفع بارتقائهم المناصب.
ثم يحاولون أن يظهروا بمظهر المصلح والمفكر والمخلّص لسورية، ولولاهم لما وصلنا إلى إحراق البلد.
نحن مع الإصلاح ومن داخل هيكلية الدولة حتماً، ولكن بدون هؤلاء المتسلقين، الفاسدين أخلاقياً ومفسديهم.
اللهم اشهد اني بلغت