القس - فيلوباتير مجدي 

لم تمر فترة علي الكنيسة إلا وكنا ومازلنا نري  شخص أو مجموعة من الأشخاص  ويخرجوا علينا بفكر عقيدي أو كتابي جديد ( كل ما هو جديد أو مستحدث في العقيدة هو أمرا مرفوضا ) يختلف عما استلمناه وتعلمناه من أبائنا بالتقليد  الكتاب المقدس  ومجامع الكنيسة المسكونية الثلاثة ( نيقية أفسس القسطنطينية ) .

 
 ولأن الله لا يترك نفسه بلا شاهد ، فدائما ما نري أباء الكنيسة وأبطالها يدافعون عن الإيمان المستقيم ، ويفندوا هذه الأفكار والبدع والهرطقات .  فمنهم من يقبل التصحيح والمراجعة ، والبعض الآخر لا يقبل ذلك ويصرعلي أفكاره المنحرفة ، وهنا تصبح أفكاره هرطقة  تستوجب الحرمان من شركة الكنيسة . 
فالهراطقة والمبتدعون ينكرون ويشوهون صورة الله في أذهان الناس بصور مختلفة ، وهذا يدفع الناس لإيمان مزيف وحقائق مغلوطة عن الله  ، فالهراطقة يفرقون الناس عن الكنيسة ويهدمون ما تعب فيه من سبقوهم من الأباء والخدام الأمناء   .
 
لكن هل فكرت لماذا سمح الله بهذه البدع في كنيسته ؟
إن هذه البدع والهرطقات بالرغم من المرارة التي تسببها للكنيسة ، إلا أن الله ضابط الكل يحول الأمور لنفع كنيسته مهما كان الأمر يبدو مظلما ، فنجد القديس أغسطينوس يشكر الهراطقة ويقول  “شكرًا للهراطقة” ؟ كيف يكون هذا ؟ 
 
لأن الله دائما في تعاملاته معنا نري أنه  “مِنَ الْجَافِي خَرَجَتْ حَلاَوَةٌ». ….” (قض 14: 14).
 
فإن للبدع و الهرطقا ت فوائد :
 
1/ التئام وحدة الكنيسة فى المجامع المسكونية :
إن المجامع المسكونية التي تعقدها الكنيسة لمناقشة أمر مسكوني هام ، مثل ظهور هرطقة معينة أو أمرا قد يسبب خطرا علي الكنيسة من أي جانب ، يكون فرصة عظيمة لتلاقي رجال الكنيسة وأبائها بااختلاف جنسياتهم وثقافاتهم ، حيث يجمعهم وحدة ورابطة الإيمان والعقيدة . ومن الأمثلة :
مجمع نيقية ( 325 م ) والذي حضره 318 أسقفا من أنحاء العالم كله ، ليواجهوا بدعة أريوس ، ويضعوا قواعد تنظيمية أخري بداخل الكنيسة .
 
2/ ايضاح الحقائق الايمانية والأتفاق علي صياغات محددة للقوانين الكنسية والإيمانية :
عندما يظهر تعليما أو فكرا جديدا إيمانيا ، نجد من يقبله ومن يقاومه ، وهنا تجتمع الكنيسة ممثلة في المجامع الكنسية لمناقشة الأمر والبحث عن ألفاظا لاهوتية محددة ذات صياغات واضحة ، مثلا : لقد كانت هرطقة مقدونيوس سببا في إستكمال قانون الإيمان النيقاوي ( نعم نؤمن بالروح القدس … ) ، وهرطقة نسطور ، جاء بمقدمة قانون الإيمان
 
( نعظمك ياأم النور الحقيقي…. )  ، وغيرها العديد من الأمثلة . فالصياغات اللاهوتية المحددة والواضحة التي تتمتع بها الكنيسة الآن هي ثمرة نقاشات وجدلا واسعا استغرق جهدا وعرقا ودماء من أبائنا القديسين .
 
3/ ظهور ابطال للايمان :
إننا لم نكن نعرف البابا أثناسيوس ولا غيره من أبطال الكنيسة المدافعون عن إيمانها المستقيم ، لو لم يكن ظهر أريوس بهرطقته ، ولولا بدعة نسطور لما ظهر كفاح البابا كيرلس الأول ( عمود الدين ) ، فالهرطقات والتعاليم المنحرفة هي بمثابة امتحان يظهر من خلاله أبطالا أصحاب عقيدة سليمة .وأبطالا الإيمان أيضا هم من بذلوا دمائهم وحياتهم في سبيل الحفاظ علي العقيدة والإيمان كما تسلموها من أسلافهم .
 
4) ازدياد الثروة الادبية  اللاهوتية للكنيسة من الردود اللاهوتية على الهرطقات :
“لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضًا، لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ.” (1 كو 11: 19)  ،فدائما مانلاحظ إزدهارا أدبيا ملحوظا في أزمنة الهرطقات والإضطهادات لتثبيت النفوس ومساندتها ، فالهرطقات تثمر لنا عن معرفة إلهية حقيقية غير كاذبة ودفاعيات وكتابات لاهوتية عميقة  تكشف لنا الكثير من حقائق الإيمان المسيحي المستقيم .  
 
وهنا يجب أن نشير إلي “الآباء الملتمسون أو المدافعون” ، الذين كرسوا أقلامهم وحياتهم للدفاعيات ، مثال( البابا بطرس خاتم الشهداء والبابا اثناسيوس حامى الايمان، والبابا كيرلس عمود الدين والبابا ديسقوروس بطل الأرثوذكسية …وغيرهم ) ، هؤلاء لم يدافعوا عن معرفة أدبية أو تاريخية أو حتي فكرية مجردة منفصلة عن تدبير الخلاص ، بل جاهدوا لكي يحددوا بدقة شديدة التعليم بمعناه العام وفي إطاره المسيحيى المتكامل
 
+ وهنا يجب أن نشير إلي أن الخدام في الكنائس لهم دور كبير في التعريف بهؤلاء القديسون المدافعون ، ليس علي سبيل سرد القصص والحكايات ، لكن بالتركيز علي دورهم في الحفاظ علي الإيمان ، حتي يكون لدينا أجيال تعرف أن الدفاع عن العقيدة ومسلمات الإيمان النقي أمرا ليس جديداأو ليس تزمتا ، ولكنه تمسك بالإيمان ”  ، وهذا ماامتدحه معلمنا بولس الرسول في تلميذه تيموثاوس “إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلًا فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا.” (2 تي 1: 5).
 
عجيبة هي الكنيسة الأرثوذكسية والتي كلما ازدادت الهجمات الهرطوقية ضدها، كلما انتهت بنصرة الكنيسة  وإيضاح الحق الإلهي والكتابي بصورة جلية ، وتنهزم روح الذات والتعالي للهراطقة ويظهر أبطال جدد للإيمان يدافعون عن الكنيسة ويقودوا فكرها ويجددون أساليب التعليم للإيمان المستقيم الذي للكنيسة . أنها كنيسة  البابا  أثناسيوس – معلمنا ديوسقورس  – القديس كيرلس الكبير ..وغيرهم من أبطال الإيمان  .
 
المراجع :
1-    المتنيح الأنبا غريغوريوس .موسوعة الأنبا غريغوريوس (1) اللاهوت المقارن . دير الأنبا رويس ( العباسية ). 2003 .
2- القمص أثناسيوس فهمي جورج . الأمانة في التعليم . نسخة الكترونية