مدحت بشاي
«فى إطار تأكيد مفهوم التجديد المنطلق من قاعدة التفكير والمواءمة بين التجديد، وما يُعتبر من قِبَل قطاعات كبيرة فى المجتمع من الثوابت الدينية.. تجديد يتعامل بحرص مع ثقافة المجتمع..نحن نفتح الباب فى (المصرى اليوم) بين أبناء الوطن باختلاف توجهاتهم للحوار والنقاش فى إطارٍ ملتزم بقواعد الحوار والهدف المُبتغى...».
هكذا كانت الدعوة المهمة عبر سطور واحدة من أهم المقالات الافتتاحية لرئيس تحرير جريدتنا الغراء «المصرى اليوم» الكاتب الصحفى والإعلامى «عبداللطيف المناوى»، التى تداوم فيها المؤسسة والصحيفة على بث رسائلها التنويرية ودعواتها التقدمية الإصلاحية منذ العدد الأول الذى كان لى شرف المساهمة فيه وحتى تاريخه، وتلك الدعوة للحوار حول منطلقات الذهاب إلى التجديد..
وتأتى أهمية الدعوة فى توقيت عرضها، ومدى صدق وثقافة ووطنية الجهة الداعية، وحيث يكتب للجريدة ويحرر معظم أبوابها نخبة رائعة من أهل الكتابة والفكر التنويرى ورموز الدفع بدأب ودون يأس فى اتجاه تجديد الفكر ووضع الرؤى العلاجية للتعامل مع ما خلفته جحافل التيارات الظلامية من تشوهات نالت- للأسف- من عقول وأفئدة البسطاء منا باسم الدين وثوابته التى اخترعوها وغلفوها برسائل مخادعة وعناوين تحمل الدعوة إلى طاعة الله بعد أن عصاها من هم سواهم بمنطقهم.. ويصلون بحيلهم وأكاذيبهم لملايين وافقوا على تصعيدهم لسدة الحكم فى زمن «كابوسى» لم نفق منه إلا على وقع مجازرهم «السلمية» وديكتاتوريتهم «الديمقراطية» وعصريتهم برداء قرون التخلف.. فكانت ثورة 30 يونيو والدعوة الشاملة لتجديد الفكر والتعامل مع ما ترسب من تكلسات سوداوية على عقول أتباعهم، وهم مازالوا بيننا يمارسون فعل الموتور ويبثون الفكر المُضل والقراءة الكاذبة لأهداف ومنافع كل مشاريع الدولة التنموية وجهودها فى إعادة حالة الاندماج الوطنى والتمسك بالهوية المصرية والولاء والانتماء للتاريخ والحضارة والعلوم والفنون والإبداع الإنسانى الفريد..
إن جائحة كورونا وما تبعتها من مناوشات بين حراس العلم ورواده فى مواجهة حراس الأديان ورموزهم، وما تم إثارته حول أن الجائحة كان لابد لها أن تحل وتهبط على أرض الشقاء بعد أن هجرت البشر تعاليم الدين وقيمه الفاضلة كعقاب فورى وأرضى للتذكير بآياته الهادية.. فكان ذهاب العلماء إلى معاملهم للتعرف على مواصفات الفيروس اللعين وآليات انتشاره وخطورة تحولاته الشيطانية، والعمل بشكل متسارع حول الوصول لصناعة لقاح مقاوم للكورونا وسنينها..
أكتب مقالى عقب عودتى من مشوار لتقديم واجب العزاء فى إقليم من أقاليم الدلتا بمناسبة ذكرى الأربعين بكنيسة المحافظة، وأذهلنى ذلك العدد الكبير من الحضور فى زمن كورونا (كهنة وشمامسة وأصحاب المناسبة والمُعزون).. وأدهشنى ممارسة طقس التناول مع كل الحضور تقريبًا، وأفزعنى عدد القبلات والتحيات بالسلام باليد التى كانت من نصيب الكاهن لتعزيته بلا أدنى إحساس بالمسؤولية، فقد قرر الجميع إلغاء تعاليم وحسابات العلم والطب، فالظرف إنسانى ودينى والشىء لزوم الشىء!!!
أحد هؤلاء طبيب شاب شماس ناله ما نال من تحيات وقبلات هو الآخر لتعزيته.. هو شاب أربعينى ناضج كان قد دخل معى فى سجال غريب عند بداية اشتعال أزمة «ملعقة التناول» عقب اجتياح البلاد الموجة الأولى لذلك الفيروس اللعين، وهو مؤمن جدًا باستمرار الصلوات بالكنائس ودوام التناول بنفس الطقوس بحماس بالغ بتعاليم وفكر أحد أكثر الكهنة شهرة كواعظ حول أن التناول لا يمكن أن يأتى بأمراض، وعندما كررت عليه ما كان يقوله قداسة البابا تواضروس الثانى حول أن هناك سبلًا وأشكالًا أخرى لممارسة التناول قد يمكن العمل بها، بالإضافة للإجراءات الاحترازية العادية، رفض الشاب وانتفض غضبًا كما رفض الكثيرون وقاوموا حدوث أى تغيير فى الطقوس بغرابة شديدة وغير مفهومة حتى بعد سقوط الضحايا بين مصاب ومنتقل إلى رحمة الله، وليس لدى سوى مليون علامة تعجب!!!!!
إنها خناقة العلم والدين (كما يمارسها أهل التشدد) التى أتمنى أن يتناولها حوار التجديد الذى تدعو إليه جريدتنا الرائعة، فما أحوجنا لوجود منصة للدفاع عن النهج العلمى والفكر الموضوعى ودعم الجهود البحثية والاستطلاعية بنفس الحماس لقراءة متجددة لثوابت الأديان وتعاليمها بإيمان وتسليم وبروحانيات لا تقبل التشكيك فى صدق عملها فى النفوس والعقول والأفئدة والضمائر.
نقلا عن المصرى اليوم