هاني لبيب
فى 9 مايو الجارى، دعا الصديق العزيز عبداللطيف المناوى، فى مقاله «دعوة لحوار حول التجديد»، أبناء الوطن باختلاف توجهاتهم إلى الحوار والنقاش حول هذه القضية المهمة. ومن هذا المنطلق آثرت أن أستجمع هنا الأفكار التى طرحتها من قبل بشكل مكثف. يرى البعض أن العقائد الدينية انتقائية بطبيعتها، وتميل نحو استبعاد المختلفين معها، ومن ثَمَّ فإن تجديد الفكر الدينى هو الذى يمكنه ترسيخ مفهوم التماسك مع تخطى محدودية العقيدة، كما يسهم فى دعم فكرة الوحدة مع التنوع، وهى فكرة حتمية للمجتمع المدنى والديمقراطية، كما أن المسؤولية الإيمانية تتطلب خلق مجتمع العدالة والحق، وهو ما يتطلب بدوره التغلب على الشعور بالانعزالية والاغتراب.
ومما سبق نحن نحتاج إلى تجديد الفكر الدينى وليس الخطاب الدينى.. فالخطاب الدينى آراء شخصية فى معظمه «الوعظ والإرشاد»، ويرتكز على فكر دينى «أفكار وتصورات» لاجتهادات لاهوتية وفقهية على مر السنوات. تجديد الفكر الدينى يمثل فهم الإنسان للدين، ورؤيته الشخصية. وليس المقصود بالقطع تجديد النص الدينى أو الكتب السماوية. والتجديد هنا غير معنى بشكل الخطاب وكلماته، بل بتعديل سيكولوجية الفكر الدينى ومضمونه بما لا يتعارض أو يمس النصوص بثوابتها الدينية والإيمانية، خاصة أن تراثنا الدينى يحتوى على بعض ما يخالف أصول الدين، ويخالف المنطق العقلى، فلا يمكن رفض النص الدينى منطقيًا لأنه مرجع غير قابل للشك، وفى الوقت نفسه لا يمكن قبول تفسيراته كليًا لما فى بعضها من تجاوزات غير مقبولة دينيًا أو فكريًا.. على غرار اقتران الهوية الدينية بالقتل من جيش الرب فى أوغندا وداعش فى ليبيا والعراق وسوريا.
رفض التجديد يعنى تجميد الأحكام عند فترة زمنية محددة فى التاريخ الماضى، وهو ما يعنى إغلاق باب الاجتهاد الذى يقوم أساسًا على التجديد. ويرتبط بذلك الحديث عن الإعجاز العلمى للأديان الذى يُعتبر نوعًا من العجز تجاه تقدم الغرب وتكنولوجيته. والسؤال البديهى: طالما أن الكتب السماوية ذكرت لنا النظريات العلمية، نحن أهل الإيمان، فلماذا لم نكتشفها نحن؟ ولماذا نتأخر دائمًا ولم نتقدم، بل تقدم غيرنا؟ وكيف يستقيم أن يكون الغرب المتقدم ماديًا هو نفسه «المنحط» روحيًا وأخلاقيًا؟
الفصل بين العلم والدين لا يستند إلى أفكار نظرية المؤامرة حسبما يروج البعض، بل يبعد النص الدينى عن مهاترات المقارنة مع النظريات العلمية. النص الدينى ثابت لا يتغير، أما النظريات العلمية فهى متغيرة حسب الزمان والمكان ضمن نطاق التطور العلمى المستمر.
تجديد الفكر الدينى أهم وأكبر من تركه داخل حدود المؤسسة الدينية، فالمفكرون والمثقفون لهم دور أصيل فى هذا التجديد بعيدًا عن التصورات المسبقة عن القطيعة بين المثقفين والمؤسسة الدينية.
فى مصر الآن إرادة سياسية لتجديد الفكر الدينى، ولكن الإرادة الدينية ليست بالقوة المطلوبة لتحقيق هذا التجديد، للدرجة التى جعلت البعض يظن أن المؤسسة الدينية المصرية ليست لديها رغبة حقيقية فى خوض طريق التجديد باعتباره تهديدًا للمكاسب التى حققتها فى ظل كل هذا التراجع الفكرى، وكأن القيمين عليها وكلاء الدين وأوصياؤه بدون أى مراعاة للمصلحة الوطنية العليا. الدين عقيدة راسخة فى كيان الإنسان لا إكراه عليها، بمعنى أنه لا إجبار لأحد على قول أو فعل لا يريده عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يشبه ذلك.. فالإكراه على الدين لا يأتى بمؤمنين صادقين بقدر ما يأتى بمنافقين وكذابين ومُدلِّسين، كما أن الأديان لا تتقاتل فيما بينها رغم الاختلاف العقيدى أو التشريعى أو الطقسى.
نقطة ومن أول السطر..
الدين لا يذهب إلى ميادين القتال، غير أن معتنقى هذا الدين أو ذاك هم الذين يتقاتلون، طبقًا لمصالحهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبالتالى، صارت للأديان فى العلاقات والنزاعات أدوار وتوظيفات يختلف حجمها ونوعياتها حسب كل مرحلة تاريخية.
نقلا عن المصرى اليوم