"لا تقلق يا بطرس"...وعلى جثتى.. "مصر الأفريقية"
 
دكتور عوض شفيق
استاذ القانون الدولى جنيف
 
لقد صُورت أزمات المياه الحالية في الشرق الأوسط على أنها نتيجة للنزاعات المسلحة السائدة في المنطقة، أو لسؤالحظ في توزيع حصص الموارد المائية الواقعة تحت يد القدر، أو التي تقع تحت عدم الحكم الرشيد للحكومات البيروقراطية، ولم يستطع القادة أن يفهموا أن الأمن المائى الدائم إنما يأتي من مسؤولية القادة الشخصية. "والأسوأ من هذا أن بلد تقع على ضفاف نهر النيل تتوقع أن تجنى فوائد مختلفة من سيطرتها على مصادر المياه وأداتها..."
 
قال بطرس غالى في حوارته أن "الحرب القادمة ستكون حول المياه لا حول السياسة... وأنشغال مصر بثلاث سنوات من الجفاف عام ١٩٨٥ الأسوأ منذ عام ١٩١٣، وإن استمرار الجفاف في أفريقيا، وكما يقول بطرس غالى: "لايمكن للصيغ الكلاسكية أن تحل مشاكلنا ودون حنكة سياسية ستصبح مصر بنغلادش جديدة يسكنها الجفاف والمجاعة..."
 
ويتابع بطرس غالى قوله: "وإن الحكومة تعى المشكلة وتحاول أن تجد الطريق الصحيح. وتكمن الأزمة أن شعبنا، بما فيه النخبة لا يعى حجم القضية أو ما تحتويه من كارثة محتملة الوقوع". وظل بطرس غالى يدير دفة المفاوضات مع دول حوض النيل نظراً لحنكته وعناده السياسى ومهارته في التعامل مع حقائق المصادر المعقدة.
 
"لا تقلق يا بطرس، سأكون شخصياً المسؤول عن عملك"
 
وعندما عُين بطرس غالى أمينا عاماً للأمم المتحدة في ١٩٩٢، طلب وترجى بطرس غالى الرئيس حسنى مبارك بأن يقوم بتعيين الشخص المناسب حتى يتابع جهوده لآكثر من عشر سنوات في التفاوض مع دول حوض النيل. فأجابه الرئيس : "لا تقلق يا بطرس، سأكون شخصيا المسؤول عن عملك". وتابع بطرس كلامه : "لكن الرئيس ليس لديه الوقت للاهتمام بهذه القضايا. ولهذا سرعان ما سيضيع كل ما قمت به حول نهر النيل، ولا حيلة لى في ذلك، ولآ أملك حقوق نشر تحذيرات حول الماء..."
 
و"على جثتى " وأكد بطرس غالى في لقاءته أن "الأمن القومى لمصر هو في قضية المياه" وعندما سمع باقتراح يدعو إلى نقل مياه نهر النيل إلى قطاع غزة قال "على جثتى".
 
وفى ربيع عام ١٩٧٩، بعد أيام قليلة من اتفاقية السلام مع إسرائيل صرح الرئيس أنور السادات بأن "القضية الوحيدة التي يمكن أن تعيد مصر إلى الحرب مرة أخرى هي المياه" ولم يكن تهديده المبطن موجها إلى أسرائيل بل إلى أثيوبيا، دولة المجرى العلوى المنبع لنهر النيل التي تتحكم بـ ٨٥٪ من المياه لخط الحياة في مصر، وهو نهر النيل الأزرق.
 
وبعد مرور أكثر من عقد من تصريح السادات حول المياه، والتهديد المبطن بالحرب ضد اثيوبيا، قام وزير الدفاع محمد حسنى طنطاوى، عام ١٩٩١ بتكرار نفس الأسلوب واستعداد مصر لاستخدام القوة، إذا ما دعت الحاجة لحماية سيطرتها على نهر النيل. وفى مقابلة معه قال طنطاوى "نسينا أن النيل هو طوق النجاة لمصر، لهذا فنحن لا نتحكم بإمكانية استخدام أعمال الردع بعد الوسائل السلمية المضنية، في حال زهور أي محاولة للسيطرة على مياه نهر النيل".
 
يُعتبر نهر النيل الجسر الأفريقي، الذى يصل الأطراف الشمالية والغربية من القارة. ويشكل هذا النهر الملتوى البطىء، الذى يعتبر أطول الأنهار في العالم، مصير مصر وأفريقيا وحضارات ممتزجة وأشخاص وجماعات عرقية قبل خمسة ألاف سنة. يُقدم نهر النيل ٨٦٪ من ١٥٨ بليون جالون تستخدمها مصر كل عام. ولأنها الدولة الأخيرة الأفريقية الواقعة على ممر نهر النيل، لا تملك السيطرة الكبيرة على سياسات وأعمال ثمانية حكومات افريقية تقع أعلى النهر.
 
مصر الأفريقية:
في مؤتمر المياه الأفريقية الذى انعقد في عام ١٩٩٠ الذى عقدته جويس ستار مؤلفة كتاب "معاهدات حول مياه الشرق الأوسط" بالتعاون مع الحكومة المصرية، وحضره على مايزيد عن أربعين دولة. قال الرئيس حسنى مبارك ""لقد أصبحت مصر منذ الآن إفريقية وستبقى إفريقية، وفخورة بأصلها الأفريقي"
 
(راجع فى ذلك حوارات مع الخبيرة في شؤون المياه في الشرق الأوسط جويس شيرا ستار منشورة في مؤلفها معاهدات حول مياه الشرق الأوسط
Joyce Shira Starr, Covenant over Middle Eastern Waters, « key to World Survival », New york,1995. معاهدات حول مياه الشرق الأوسط، جويس شيرا ستار، ترجمة عمار أحمد حامد، الطبعة الأولى١٩٩٩ ، سوريا، الأهالى للطباعة والنشر والتوزيع.
( مقتطفات من بحث الدكتوارة فى اوائل التسعينات بعنوان
مياه الشرق الاوسط : سلام أم حرب
حل المنازعات بالوسائل السلمية )
 
سنواليكم بعد ذلك من المقتطفات فى ضوء القانون الدولى المعاصر مياه النيل : دعوة لاغلاق غرف الحرب والتنظيم القانونى للانتفاع بمياه النيل.