في مثل هذا اليوم 29 مايو1948م..
وصلت الجيوش العربية من مصر وسوريا والعراق والأردن والسعودية ولبنان إلى فلسطين وهاجمت القوات العربية المستعمرات الصهيونية المقامة في فلسطين وهاجم القوات المصرية تجمعي كفار داروم ونيريم الصهيونيتين في النقب.
كانت أقوى الجبهات وأهمّها هي الجبهة الأردنية الإسرائيلية فقد عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردني نهر الأردن إلى فلسطين في 16 مايو 1948 ثم ازدادوا إلى أربعة مع مُضي الحرب، بالإضافة إلى عدّة كتائب مشاة.
في منتصف ليلة 14-15/5/1948 غادر المندوب السامي البريطاني مينء حيفا* معلنا نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين رغم حالة الاضطراب والصدامات المسلحة التي كانت تسود البلاد بين سكانها العرب والمستوطنين الصهيونيين الغزاة المسلحين والمنظمين عسكريا.
وفي الوقت ذاته زحفت الجيوش العربية على فلسطين (رَ: حرب 1948) من الشمال والشرق والجنوب وأعلنت حالة الحصار البحري، وقد صاحب الزحف العربي مذكرة عن دخول قوات الدول العربية في فلسطين وجهتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى الأمم المتحدة ثم أقيمت على شكل بيان للحكومات العربية.
ولم يمض أسبوعان على الزحف العربي حتى كانت الجيوش العربية تسيطر على المناطق المخصصة للعرب طبقا لمشروع التقسيم، باستثناء يافا* وقسم من الجليل الأعلى (رَ: تقسيم فلسطين)، وتوشك أن تحدق بتل أبيب*، وبات متوقعا أن تتمكن القوات العربية من انهاء عملياتها الحربية في فترة قصيرة بعد ما ظن الناس إلى التصربات وشيكا.
أ- الهدنة الأولى: إزاء هذا الوضع استنجدت السلطات الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية التي سارعت إلى مجلس الأمن تقترح أن يقرر أن الحالة في فلسطين تهدد السلم، وذلك كمقدمة لتدخل المجلس في النزاع ومنع القتال بالقوة وتطبيق العقوبات التي يمض عليها ميثاق الأمم المتحدة ما لم يخضع العرب لقرارته. وفي 22/5/1948 اتخذ مجلس الأمن قرارا أوجه فيه النداء إلى المتحاربين بوقف القتال خلال ست وثلاثين ساعة من منتصف ليلة 22-23 أيار. ولكن الحكومات العربية رفضت الاستجابة لهذا النداء “ليس في فلسطين حرب رسمية بين دولتين، ولأن العرب انما يقاتلون عصابات باغية بالآمتين وشردتهم، ولأن وقف قتالهم حظر على سلامة الجيوش وفسح للغدر اليهودي واضرار بمركز فلسطين كوحدة سياسية وبمركز العرب الذين صرحوا مرارا بأنهم لا يرون حلا عادلا لقضية فلسطين الا بقيام دولة فلسطينية موحدة”.
لكن مجلس الأمن عاد وكرر نداءه طالبا واقرار الهدنة. وفي هذه المرة صاحب النساء ضفط على العرب لقبولها فقد أعلن المندوب البريطاني في مجلس الأمن أن حكومة بلاده مستعدة لأن تعيد النظر في الاعانة التي تقدمها إلى حكومة شرق الأردن على ضوء القرارات التي تتخذها هيئة الأمم المتحدة، وأنه اذا قرر مجلس الأمن فرض حظر عام على ارسال الأسلحة إلى العرب واليهود فان بريطانيا ستوقف ارسال الاسلحة إلى مصر والعراق والأردن رغم ما يربطها بهذه البلاد من معاهدات في هذا الشأن.
وتقدمت بريطانيا إلى مجلس الأمن بمشروع يدعو الطرفين إلى وقف القتال مدة أربعة أسابيع مع التعهد بعدم ارسال محاربين ومواد حربية إلى فلسطين في أثناء هذه المدة وتطبيق العقوبات المدنية والعسكرية على من يخالف الأمر.
وفي 29/5/1947 أقر مجلس الأمن الاقتراحات البريطانية بقراره رقم 50 الجلسة رقم 310 التي صوت فيها على المشروع جزءا جزءا لا عليه برمته.
وفي هذه الأثناء كانت الأمم المتحدة قد توصلت إلى الاتفاق على شخص وسيط دولي فوضته أن يتصل – بمجرد وقف القتال – بجميع الأطراف للوصول إلى حل عادل لقضية فلسطين وخولته حق تحديد وقف اطلاق النار. وكان هذا الوسيط الكونت السويدي فولك برنادوت الذي سمي رسميا للمهمة بتاريخ 20/5/1948.
قبلت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية طلب مجلس الأمن في 2/6/1948. وقد جاء في ردها على المجلس ما يلي: “ان تلبية الدول العربية لدعوة مجلس الأمن إلى وقف القتال أربعة أسابيع مع اخفاق جميع المحاولات الأكثر دليل على صادق رغبتها في التعاون مع الأمم المتحدة للوصول إلى هذا الحل على الرغم من تمكن جيوشها من ناصية الأمر”.
وقبل الاسرائيليون كذلك الهدنة ولكنهم قرنوا القبول بزعمهم أن قيان دولتهم أصبح أمرا مفروغا منه.
وفي 7/6/1948 وجه الكونت برنادوت إلى الفريقين المتنازعين مذكرة بشروطه وتفسيراته معينا الساعة السادسة من صباح الجمعة 11/6/1948 موعدا لوقف النار أربعة أسابيع باشرافه واشراف مساعديه. وأوقف القتال في الموعد المحدد فعلا وكان وقفه كارثة على العرب فقد انسحب البريطانيون من ميناء حيفا خلال فترة الهدنة (مع أن الحكومة البريطانية كانت قد أعلنت قبل الهدنة أن انسحابها النهائي من ذلك الميناء لن يكون قبل شهر آب) فأتاحوا للاسرائيليون فرصة استخدام هذا الميناء لأغراضهم الحربية بعد أن أحدث سلاح الجو المصري دمارا كبيرا في ميناء تل أبيب قبل وقف اطلاق النار. كما استطاع الاسرائيليون جلب كميات كبيرة من السلاح بأنواعه المختلفة وتمكنوا من تموين مستعمراتهم المعزولة معاونة لها على احتمال المقاومة لفترة أطول، وقاموا بتصفية المقاومة العربية الكائنة ضمن مناطقهم فضمنوا سلامة خطوط مواصلاتهم.!!