محمد أبو الغار
حين أُصبت بالكورونا وجاءت نتيجة تحليل الـPCR إيجابية يوم 25 إبريل الماضى، كنت متفائلًا، وأعرف أن معظم حالات الكورونا تمر بهدوء بدون مشاكل أو مضاعفات، وقلت لنفسى دعنى أكمل برنامج العزل وأنتهِ خلاله من استكمال مجموعة القراءات التى وضعتها فى البرنامج والكتابات التى كانت تحتاج إلى وقت، ولكن ما حدث كان مخالفًا لتوقعاتى وتوقعات أصدقائى.
فجأة يوم 2 مايو الماضى، أصبح عندى مشكلة فى التنفس وصعوبة فيه، وبقياس نسبة الأكسجين فى الدم وُجدت منخفضة، وقرر الأطباء دخولى المستشفى. أولى الملاحظات هى أن مشكلة التنفس أصبحت مشكلة كبرى وليست بسيطة كما توقعت. تم وضع قناع الأكسجين على الوجه، وارتفع مستوى الأكسجين إلى الحد الطبيعى، ولاحظت أننى أتناول كمًا هائلًا من الأدوية، وسألت عن هذه الأدوية، فقيل لى إن هذه الأدوية كلها محاولات لمنع المضاعفات الخطيرة على الرئة من فيروس كورونا. وللتأكد من عدم نزول مستوى الأكسجين، هناك ثلاث مجموعات من الأدوية تُعطى لمنع مضاعفات الكورونا، أولاها المضادات الحيوية لمنع الالتهاب الرئوى بسبب البكتيريا، التى تستغل فرصة وجود الفيروس وضعف المناعة فتدخل الجسم. وثانية هذه المجموعات هى أدوية الكورتيزون المختلفة، فهناك بعض الأدلة على أنها تمنع المشاكل الخطيرة فى الرئة، والتى قد تؤدى إلى فشل الرئة فى وظيفتها، ولا توجد دراسة محددة تحدد الجرعة المناسبة من الكورتيزون فى هذه الحالة. والنوع الثالث من الأدوية هو مضادات التجلط، التى يبدو أن هناك دراسات تؤيد أن تعاطيها يمنع المضاعفات الخطيرة فى الرئة. وبالإضافة إلى هذه الأدوية، كنت أتعاطى كميات هائلة من الفيتامينات والأدوية الأخرى، وتُجرى لى تحليلات دم وأشعة مقطعية على الرئة.
ولاحظت بداية حدوث آلام شديدة فى عضلة الفخذ اليمنى، مع تورم ضخم فى العضلة، فأُجريت لى أشعة مقطعية على الفخذ، وأظهرت وجود نزيف داخل العضلة، أدى إلى حدوث تجمع دموى كبير حجمه أكبر من لتر دم، فتقرر وقف أدوية منع التجلط، ومع ذلك استمر النزيف فى العضلة، فاستمر نقل الدم، وأدت الآلام المبرحة فى الفخذ إلى تدهور الحالة المعنوية. قرر الأطباء وقف الكورتيزون، بعد تخفيض جرعته بسرعة، وكذلك وقف كل مضادات التجلط.
استمرت مشاغبات الكورونا والنزف فى العضلة حتى اطمأن الأطباء أن حالة الرئة أصبحت مستقرة وأن النزف داخل العضلة توقف، وقرروا خروجى إلى البيت بعد أن قضيت 22 يومًا فى المستشفى، وكان وزنى قد زاد يوم خروجى من المستشفى بأكثر من 11 كجم بسبب المياه التى يحجزها الكورتيزون داخل الجسم، بالإضافة إلى حجم النزف من الدماء داخل عضلة الفخذ.
هناك أعراض أخرى يسببها الفيروس مثل صعوبة النوم، التى قد تستمر أسابيع أو شهورًا. هناك الكثير من المرضى يصابون بمشاكل نفسية بسبب الفيروس، من ضمنها عدم القدرة على التركيز. هناك أيضًا تأثيرات على الجهاز العصبى، وفى بعض الأحيان عضلة القلب.
وفى النهاية خرجت إلى المنزل، وتمت المتابعة لى مع ممرضة مقيمة 24 ساعة فى البيت تحت إشراف طبى.
انخفضت متابعتى لما يحدث فى المجتمع والوطن والعالم بدرجة كبيرة، فكانت أحداث المعارك بين الفلسطينيين والإسرائيليين مجرد طيف لا أعرف أوله من آخره. وتلقيت خلال هذه الفترة مئات الرسائل الخاصة على التليفون، وربما الآلاف على وسائل التواصل الاجتماعى، ومنها عرفت عن مرض بعض الأصدقاء، وإصابة البعض بالفيروس، وفقدان البعض، ولكن الأمر كان داخل لفافة من الغمام غير واضحة.
يصبح الإنسان فى حالة من عدم التوازن النفسى حين يعيش هائمًا فى عالم مختلف تختلط فيه الحقيقة بالخيال، ولا يعرف بدقة ماذا يحدث فى هذا العالم، وحين يصبح النوم عزيزًا ونادرًا تستمر هذه الحالة الغريبة، وبمرور الوقت تبدأ الحقيقة فى الانقشاع، ويعرف الإنسان الأوضاع الحقيقية لما حدث حوله، ويكتشف حجم الزيف وحجم الحقيقة.
الآثار النفسية والعصبية لحالات الكورونا شديدة على الجهاز العصبى، وتستحق عناية أكبر وتركيزًا أشد. فى بعض الحالات يكون الأمر بسيطًا، وفى حالات أخرى يكون شديدًا وعنيفًا. وطبقًا لشدة الحالة يختلف الإحساس بالكورونا من مريض إلى آخر.
هناك صعوبة بالغة فى القدرة على التعبير عن مشاعر الحب التى يتلقاها المريض من الأصدقاء والمعارف والمجتمع كله. والمريض فى مصر وفى كل مكان لا يلقى نفس المعاملة ونفس الرعاية بنفس القدر فى كل مكان وزمان، ولذا فمما لا شك فيه يشعر الكثيرون بالغبن، وأنهم لم يتلقوا من الدولة الرعاية الكافية، وخاصة فى مرض لا نعرف عنه الكثير. وهناك قلق عند بعض المصريين من أن هناك أنواعًا من الفاكسين نتائجها وفاعليتها أعلى من أنواع أخرى.
من المعروف أن العلاج فى مصر للأمراض المختلفة لا يتبع نظامًا متعارَفًا عليه دوليًا، فهو يتبع بروتوكولات تنظمها وزارة الصحة فى بعض الأمراض وفى المستشفيات الجامعية عند مجموعات من المواطنين، وفى أمراض أخرى ينظم العلاج فيها القطاع الخاص أو بنظام علاج التأمين الصحى، وفى بعض الأحوال بنظام القطاع الخاص كاملًا، وفى بعض الأحيان ينظم العلاج الهيئة التى يعمل بها المواطن سواء كانت حكومية أو قطاعًا خاصًا. فى حالة الكورونا، ولأنها وباء شامل، فحالة عدم الاطمئنان موجودة، ولذا فالمشاكل النفسية تكون مصاحبة للكورونا بدرجة أعلى.
لا أعرف كم الوقت اللازم حتى تختفى أعراض ما بعد الكورونا بعد أن يصبح التحليل PCR سلبيًا. وكم الوقت اللازم حتى يعود النوم إلى طبيعته، والقدرة على التركيز كما كانت. الكورونا مرض حديث، والمعلومات المعروفة عنه محدودة، والدراسات مازالت فى أولها، ونرجو أن يكون متاحًا لنا أن نعرف أكثر عن هذا المرض المزعج، وأن يتخلص المواطن منه بالفاكسين أو بعلاج حديث مضاد للفيروس فى القريب العاجل. وأرجو أن يقف المصريون جميعًا على قدم المساواة فى مواجهة هذا الفيروس اللعين.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك..
نقلا عن المصرى اليوم