رفعت الحكومة السودانية أسعار المحروقات بنسبة تقارب المئة في المئة، الثلاثاء، وسط صعوبات اقتصادية بالغة وتوقعات بارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 500 بالمئة وخروج العديد من الأعمال عن دائرة الإنتاج.

ويعيش السودان أوضاعا اقتصادية صعبة للغاية في ظل ارتفاع الديون الخارجية إلى أكثر من 60 مليار دولار وانهيار معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية خلال فترة حكم المخلوع عمر البشير التي استمرت 30 عاما.

لكن مراقبين يرون أن الحكومة الانتقالية الحالية التي تسلمت السلطة عقب سقوط البشير في أبريل 2019، لم تنجح في معالجة الأزمات المعيشية الطاحنة التي تواجه المواطن العادي.  

مبررات الحكومة
وقال بيان حكومي إن القرار يأتي في إطار سياسية الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني وتأسيس بنية تمكن مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية.

ووفقا للبيان، فإن الأسعار الجديدة تخضع لتكلفة الاستيراد والتي تشكل ما بين 71 بالمئة إلى 75 بالمئة من سعر الوقود، مضافا إليها تكاليف النقل ورسوم الموانئ وضريبة القيمة المضافة وهامش ربح شركات التوزيع، وهذه التكاليف تشكل مجتمعة ما بين 25 بالمئة إلى 29 بالمئة من سعر البيع المستهلك.

وبحسب التكلفة الحالية، فقد حددت سعر لتر البنزين بواقع 290 جنيها سودانيا (الدولار يعادل 430 جنيها)، وسعر لتر الجازولين بواقع 285 جنيها.

وأوضح البيان أن سياسة تحرير الوقود ستسهم في إزالة العديد من التشوهات في الاقتصاد، حيث تنفق الدولة حوالي مليار دولار سنويا دعما للمحروقات.

آثار كارثية
ويرى محمد شيخون، أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية وعضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، أن رفع أسعار الوقود بهذه النسبة العالية سيكون له انعكاسات كارثية على المستهلك العادي.

ويوضح شيخون لموقع سكاي نيوز عربية أن أكثر من 60 بالمئة من السودانيين يعيشون حاليا تحت خط الفقر، وسيتأثرون أكثر بهذه الزيادة التي ستنعكس مباشرة على تكلفة النقل، وبالتالي أسعار السلع والخدمات الاساسية.

ويضيف: "قبل الزيادة كان المستهلك يعاني كثيرا من أجل توفير احتياجاته الأساسية، ومن المؤكد أن الزيادة الحالية ستفاقم الأوضاع وتزيدها سوءا".

وفي ذات السياق، يؤكد المحلل الاقتصادي وائل فهمي، أن هذه الزيادة الضخمة في أسعار الوقود ستضاعف التكاليف الإنتاجية للسلع والخدمات، وستؤدي بالتالي إلى انهيار كبير في العديد من القطاعات الإنتاجية ومن ثم زيادة معدلات البطالة واتساع قاعدة الفقر بالبلاد وزيادة في تمزيق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.

ويشير فهمي إلى أن معظم أصحاب الدخول الثابتة وأصحاب الأعمال والأنشطة الصغيرة والمتوسطة سيجدون صعوبة كبيرة في القدرة على الاستمرار في السوق بسبب التراجع الكبير المتوقع في القوة الشرائية للمستهلك العادي.

ويقول فهمي لموقع سكاي نيوز عربية إن الأثر الأخطر لهذه الزيادة سيتمثل في رفع معدلات التضخم التي يتوقع أن تصل إلى 500 بالمئة أو أكثر على المدى القريب مقارنة بنحو 360 بالمئة في الوقت الحالي بسبب ارتفاع التكاليف الإنتاجية والخدمية.

ويعزي فهمي قرار الزيادة إلى الإجراءات التي ظلت تتخذها الحكومة خلال الفترة الاخيرة للوفاء بمتطلبات صندوق النقد والبنك الدوليين ومؤسسات التمويل الأخرى للوصول إلى "نقطة القرار" المطلوبة لإعفاء نحو 80 بالمئة من الديون الخارجية.

مستهلكون حائرون
وعبر عدد كبير من السودانيين عن حيرتهم ورفضهم لهذه الزيادة، مشيرين إلى أنهم تحملوا الزيادات السابقة على أمل أن تنعكس إيجابا على الأوضاع الاقتصادية، لكن العكس هو ما حدث فعلا.

ويقول فكري، وهو موظف حكومي، إن مضاعفة أسعار المحروقات سيعني أن أجره الشهري البالغ نحو 20 ألف جنيه سوداني سيكفي فقط لتعبئة وقود يكفي لتوصيله لأسبوعين.

ويضيف: "هذه مفارقة كبيرة.. كيف سأتمكن من توفير احتياجاتي الأخرى التي تتطلب 5 أضعاف الراتب؟ هذه كارثة حقيقية".

ويعبر مستهلك آخر، وهو طبيب في متوسط العمر، عن مخاوف أكبر، ويمضي إلى أبعد مما ذهب إليه فكري، إذ يقول لموقع سكاي نيوز عربية: "هذه الزيادة الكارثية ستشل الحياة.. الكثير من الموظفين وأصحاب الدخول المحدودة لن يتمكنوا من الذهاب إلى أعمالهم، إما لأنهم لا يستطيعون توفير تكلفة الوقود لسياراتهم أو لأنهم لن يستطيعوا مجاراة ارتفاع كلفة المواصلات العامة التي كانت بالفعل تلتهم معظم الراتب قبل الزيادة".