مات شقيقه العام الماضي غرقا خلال طريقه لـ«الكوشة»
في نفس المكان، وفي نفس الليلة، وبنفس «ملابس الفرح»، لم يتوقع «عريس الشرقة» أن يلقى مصير أخيه، أن يتحول الفرح لمأتم للمرة الثانية، أن تعود عقارب الساعة للوراء، ويعيش كل أفراد العائلة مشهدًا أليمًا، في نسخة حزن مكرر ووجع عميق، لم يختلف أي شيء، سوى أن الحزن بات مضاعفًا، فهذه المرة فقدت الأسرة عائلها الوحيد، انقلبت أغاني الفرحة لصراخ وعويل، تبدلت سيارات «الزفة» بعربات الإسعاف ونقل الموتى، غيّرت الأسرة والمعازيم ملابس الفرح واتشح الجميع بالسواد.
والد العروس: «ماتوا بلبس الفرح»
يتمتم بعبارات الحمد على البلاء ودعوات خافتة، وعلى وجهه نظرات الحزن والألم، هكذا شيّع الأب ابنته عروس عزبة «صيام» التابعة لقرية «طحلة بردين» بمركز الزقازيق في الشرقية، والتي لقيت مصرعها هي وشقيقتها والعريس في أثناء زفافهما، محتسبًا إياهم من الشهداء، يقف متكئا على الصبر يردد في خفوت آيات الذكر الحكيم، مترحمًا عليهم: «الحمد لله احتسبت بنتي العروس سالي وشقيقتها نورا من الشهداء في الجنة»، فقد شاء قضاء الله وقدره أن تتغير وجهة سيارة الزفاف من مكان إقامة الفرح، إلى القبر، بعدما انقلبت السيارة التي كانت تقل العروسين وشقيقة العروس الكبرى «نورا»، متزوجة ولديها طفل عمره سنة واحدة.
غرق العروسين في الترعة
ما أشبه الليلة بالبارحة، العام الماضي خرج والد العريس ليزف نجله وعاد بكفنه، واليوم خرج ليزف نجله الثاني لكنه شيعه وعروسه وشقيقتها إلى مثواهم الأخير، وقف الأب يترحم على ابنيه «عرسان الجنة»، وقف مودعًا نجله وسنده وعكازه، فالأب من ذوي الاحتياجات الخاصة، يحاول قلبه أن يصدق أنَّه اللقاء الأخير، وكأن الفرحة لم يقدر لها أن تدخل بيته للمرة الثانية، مات فلذة كبده العام الماضي، واليوم يودع شقيقه، في نفس مياه «ترعة «ميت أبو علي» بالشرقية، لم تكمل سيارات «الزفة» طريقها للعام الثاني، غرق الأخ ليلحق بأخيه، لتلتقي فرحتهما في جنات النعيم.
الحادث على بعد أمتار قليلة من «الكوشة»
لم يمهل القدر «محمود»، 21 عاما، وعروسه «سالي»، 18 عامًا، وشقيقتها الكبرى «نورا»، 21 عامًا، أن يصلا إلى «الكوشة»، فعلى بعد أمتار قليلة من مكان إقامة الزفاف، كان موعدهم مع الحادث الأليم، كانت «سيارة الزفة» مسرعة بهم نحو ليلة ينتظره العريس وعروسه منذ السنوات، لكن يد الموت كان أسبق، فلم تلفح محاولات الأهالي لإنقاذهم، هرعت قوات الإنقاذ النهري إلى الحادث، وتمّ انتشال جثامين المتوفين، وأخطرت النيابة العامة التي قررت انتداب الطب الشرعي لتشريح جثامين المتوفين لبيان أسباب الوفاة، وصرحت بدفن الجثامين، وكلفت المباحث بإعداد تحرياتها في الحادث.
انتزعت الفرحة وحل مكانها الحزن، تبدل «صوان الفرح» لسرادقات عزاء، رحل المأذون وحضر الإمام يصلي صلاة الجنازة، وفي مشهد جنائزي مهيب، ووسط حالة من الحزن سيطرت على المئات من أهالي قرية الصعايدة وطلحة بردين بالشرقية، شيع جثمان العروسين وشقيقة العروس إلى مثواهم الأخير.