يوسف سيدهم
تناقلت وسائل الإعلام في نهاية مايو الماضي نبأ إطلاق البورصة المصرية حملة لتحفيز الشباب علي الادخار والاستثمار في سوق الأوراق المالية, وذلك في خطوة طموحة تفتح آفاقا جديدة للاستثمار تتجاوز الحدود التقليدية المصرفية من حسابات وودائع وشهادات استثمار وغيرها من الأدوات البنيكة ذات الفوائد الثابتة المعلنة مسبقا, إلي عالم الأسهم وصناديق الاستثمار حيث تكون عوائد الادخار متغيرة ومعتمدة علي الأداء الاقتصادي والمراكز المالية ومعدلات النمو.
في البداية انتابني قلق وتوجس عندما قرأت نبأ تلك الحملة خاصة باعتبارها تستهدف فئة الشباب الذين ينتمون بطبيعة الحال إلي أصحاب المدخرات الصغيرة والقدرات المحدودة علي إدارة استثمارها حتي أنهم يؤثرون إيداعها في سائر الودائع والشهادات البنكية ذات الفوائد الثابتة -حتي وإن كانت فوائدها قليلة نسبيا- بدلا من المخاطرة بدخول عالم بورصة الأوراق المالية حيث يواجهون المجهول بين احتمالات الربح الوفير أو الخسارة المدمرة.
فكلنا يعرف أن عالم الاستثمار في البورصة الذي يعج بأسهم جميع مراتب الشركات العاملة في شتي أوجه الاقتصاد والخدمات هو عالم يقدر عليه الأثرياء والمحترفون الذين يتجهون إلي توزيع مدخراتهم علي باقات متنوعة من الشركات تتوزع أسهمها وأنشطتها بين عالية المخاطرة التي تجمع بين احتمالات الربح الوفير أو الخسارة الكبيرة, وبين متوسطة المخاطرة التي تزيد فيها احتمالات الربح المعقول علي المخاطر, وبين الآمنة وهي التي تضمن ربحا محدودا دون مخاطرة… وتكون المحصلة النهائية لمثل ذلك التوزيع بين مستويات المخاطرة وتنوع أسهم الاستثمار أن رأس المال المستثمر يجني الثمار ويتجنب الخسائر.
ولكن تجدر الإشارة إلي أن هذه التوليفة التي تتيحها رؤوس أموال ومدخرات الأثرياء لا غني لها عن الاستعانة بالمحترفين, أي أصحاب الخبرة والدراية والمتابعة من خبراء سوق المال والاقتصاديين والمضاربين في أسواق الأسهم وهم من يطلق عليهم التعبير الشائع مكاتب السمسرة فهم يمثلون العين اللصيقة المدققة والمراقبة لأداء سائر الشركات في مجالات الأعمال وانعكاسات ذلك علي قيم أسهمها وحركة صعودها أو هبوطها في موازين العرض والطلب… وهنا يمثل أولئك الخبراء والعاملون في مكاتب السمسرة أفضل مصادر التقييم والنصح فيما يخص إدارة محافظ الاستثمار وتحريكها بين الأسهم المختلفة شراء وبيعا.
فإذا كان ذلك هو الوضع الحاكم لإدارة أموال الأثرياء… فلنا أن نتصور حتمية اقتران دعوة البورصة المصرية للشباب لدخول مجال الادخار والاستثمار في سوق الأوراق المالية بربطهم بأولئك الخبراء وأصحاب مكاتب السمسرة للاستفادة من خبراتهم ولحماية مدخراتهم المحدودة من مخاطر الخسارة والضياع الأمر الذي من شأنه لو حدث أن يعصف بطموحاتهم وآمالهم في المستقبل… بل إنني أضيف هنا أنه يتوجب علي إدارة البورصة المصرية -حتي لا يحدث ما لا تحمد عقباه وحتي لا تضل دعوتها هذه الطريق وتفقد الهدف منها- أن تشترط علي سائر المستثمرين الصغار والقادمين الجدد إلي عالم الاستثمار في الأسهم والأوراق المالية أن يودعوا مدخراتهم لدي وكلاء تداول الأوراق المالية وشركات السمسرة… أقول ذلك لأن الذاكرة لا تخلو من نماذج عديدة من المغامرين قليلي الدراية والخبرة الذين يدخلون هذا العالم حالمين بالأرباح الوفيرة ومتصورين أنهم في غني عن المشورة المتخصصة علاوة علي تلافي سداد عمولات شركات السمسرة فينساقون وراء إغراء العمل منفردين وتحقيق أرباح مبدئية, لكن سرعان ما يتم العصف بهم ويقعون ضحايا عدم الخبرة ويفقدون كل مدخراتهم… فرفقا بشباب المستثمرين في البورصة.