يصيب مرض ألزهايمر أكثر من 30 مليون شخص في العالم. ويعد السبب السادس للوفاة في أميركا, لكن ثمة أمل جديد يلوح في الأفق.

 
وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في 7 يونيو 2021 على علاج لمرض ألزهايمر في خطوة فتحت باب الأمل أمام كبار السن الذين يعانون من هذا المرض في جميع أنحاء العالم.
 
الدواء يعد الأول الذي توافق عليه السلطات الصحية الأميركية لمرض ألزهايمر . ويسمى "أدوكانوماب" يعمل عن طريق إزالة تراكمات بروتين يعرف باسم "بيتا أميلويد" من أدمغة مرضى ألزهايمر ويمكن أن يعطل الاتصال بين خلايا الدماغ. و يصيب مرض ألزهايمر أكثر من 30 مليون شخص تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر في العالم. ويعد السبب الأكثر شيوعًا للخرف والسبب الرئيسي السادس للوفاة في أميركا. ويعيش المرضى كبار السن من 4 إلى 8 سنوات بعد الإصابة بالمرض، وأي علاج يمكن أن يبطئ تطور المرض ويحسن نوعية الحياة يمثل أملًا ليس للمرضى فقط بل لأحبائهم من الأبناء والأحفاد.
 
وطورت الدواء الجديد شركة "بايوجين" للتكنولوجيا الحيوية ومقرها ماساتشوستس. ووفقًا لبيانات التجارب السريرية التي تم تقييمها من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية ، قلل دواء "أدوكانوماب" بشكل فعال من تراكم بروتين الأميلويد في الدماغ ، وهذا يعني أنه على عكس الأدوية المعتمدة مسبقًا، يمكن للعقار أن يبطئ تقدم المرض بدلاً من مجرد استهداف الأعراض. لكن النظرية القائلة بأن الأميلويد هو المفتاح محل جدل كبير، وسرعان ما تعرض قرار إدارة الغذاء والدواء الأميركية المستند إلى أدلة غير مؤكدة لانتقادات شديدة. وأكدت باتريسيا كافازوني ، مديرة مركز إدارة الغذاء والدواء الأميركية لتقييم الأدوية والبحوث، "أصبح لدى مرضى ألزهايمر علاج جديد مهم وحاسم للمساعدة في مكافحة هذا المرض". لكن العديد من العلماء غير مقتنعين تمامًا بقدرة الدواء على تأخير الخرف.
 
سر بروتين "بيتا أميلويد"
في ثمانينيات القرن الماضي ، فحص العلماء الحمض النووي لمرضى ألزهايمر واكتشفوا طفرات في الجين الذي ينتج بروتين "بيتا أميلويد". هذا البروتين مهم لتطوير الخلايا العصبية. وتسبب الطفرات الجينية "بيتا أميلويد" في تكوين كتل غير طبيعية تتراكم في الدماغ. واعتقد العلماء وقتها  أن هذه الكتل هي المحفز الرئيسي لمرض ألزهايمر، وبالتالي أصبحت بروتينات "بيتا أميلويد" محور البحث وتطوير الأدوية للمرض. وعلى الرغم من أن العديد من شركات الأدوية طورت مركبات تقلل من رواسب "بيتا أميلويد"، إلا أن جميعها فشلت في إيقاف مرض الخرف. بعد ذلك، وبالتحديد في عام 2015 ، أشارت الأدلة المبكرة من التجارب السريرية لدواء "أديوكانوماب" إلى أن إزالة بروتين "بيتا أميلويد" أدت إلى تدهور أبطأ للوظائف الإدراكية للعديد من مرضى ألزهايمر. 
 
هكذا يمكننا الحد من مخاطر الإصابة بـ "ألزهايمر"
 
بناءً على هذا التجارب، قامت  شركة "بايوجين" بإجراء تجربتين سريريتين أكبر حجمًا تسمى Engage and Emerge، بلغ عدد المشاركين فيها 3300 من المرضى الذين يعانون من ضعف إدراكي معتدل أو الخرف الخفيف بسبب مرض ألزهايمر - أو كانوا تلقوا علاجًا وهميًا أو جرعة منخفضة أو عالية من دواء "أديوكانوماب". ولكن التجربتين تم ايقافهما في مارس 2019 بعد أن أشار تحليل بيانات مؤقت مستقل إلى أن الدواء "غير مجدٍ". على الرغم من أن المركب أزال بالفعل رواسب "أميلويد"، إلا أنه لم يوقف أو يبطئ التدهور في الذاكرة المعرفية للمرضى، وبالتالي من غير المرجح أن يفيد المرضى.
 
ومع ذلك ، أعادت الشركة تحليل البيانات في أكتوبر 2019 ، بما في ذلك بيانات إضافية، ووجد هذا التحليل أن المرضى في تجربة Emerge الذين تناولوا جرعات عالية من "أديوكانوماب" أظهروا انخفاضًا إدراكيًا أبطأ بنسبة 22٪ على مدار 18 شهرًا، مقارنةً بمرضى العلاج الوهمي، ولم يتم تسجيل مثل هذه الانخفاضات بين مرضى دراسة Engage.
 
العلاج مازال بعيدًا
اعتبرت "هيلاري إيفانز"، مديرة مؤسسة (بحوث ألزهايمر) البريطانية، أن هذا التطور يشكل "لحظة محورية في البحوث لتطوير علاجات جديدة ثورية ضد مرض ألزهايمر". فقد شكّل السماح الأميركي بهذا العلاج أول تقدم ملموس لدى المرضى وعائلاتهم بعد حوالى عقدين من دون أي تطورات أو علاجات جديدة.
 
ويقول ستيفان أيبلباوم، طبيب الأعصاب والباحث في مستشفى بيتييه سالبيتريير في باريس، إن "هذه الفترة سمحت لنا بتحقيق تقديم هائل في فهم المرض، طريقة ظهوره وسببه وتشخيصه"، خصوصًا في مرحلة مبكرة. وأضاف "لكن يصعب علينا تحويل كل مواضع التقدم هذه إلى نجاحات علاجية". وأبدى إيبلباوم "الخشية من إفراط في الأمل حيال فعالية العلاج". فهذا الدواء باهظ الثمن، بتكلفة سنوية تزيد عن 50 ألف دولار، ولا يوجه إلا لفئة صغيرة من المرضى في مراحل مبكرة للغاية من المرض. وحتى لهؤلاء، لم يُثبت العلاج سوى فعالية محدودة.
 
ويبدو هذا الأمر منطقيًا، فمرض ألزهايمر لا يتطور عمومًا بسرعة، كما أنه وخلال الأشهر الـ18 التي أجري فيها الاختبار على علاج "بايوجين"، لم تظهر الفحوص الإدراكية سوى فارق بسيط بين المرضى الذين تلقوه وأولئك الذين حصلوا على علاج وهمي. كما أوصت لجنة خبراء "اف دي ايه" بعدم الترخيص للعلاج، غير أن الوكالة الأميركية لم تعمل بهذه التوصية. كما أنه من غير المؤكد أن يمنح الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ترخيصًا للدواء الجديد. ولكن الموافقة الأميركية ستتيح تقويم فعالية العلاج في العالم، من خلال قياس قدرته على الحد من الخرف خلال 10 سنوات أو 15 سنة. وخلص طبيب الأعصاب "جوناثان سكوت"، من جامعة "يونيفرسيتي كولدج" في لندن، إلى أن "أي دواء، مهما كان جيدًا، لن يستطيع وحده تقديم الحل لمرضى ألزهايمر"، مشددًا على ضرورة الوقاية من أمراض الخرف.