إعداد الأب / وليم عبد المسيح سعيد – الفرنسيسكاني
إنّ القديسين الثلاثة مانوئيل وسابيل واسماعيل كانوا أخوة من بلاد فارس. وكان أبوهم من رؤساء السحرة وعبدة الشمس. لكن أمّهم كانت مسيحية، فعنيت بتربيتهم، وغرست في قلوبهم بذور الإيمان، وزيّنت نفوسهم بالفضائل، فأضحوا شبّاناً يشار إليهم بالبنان لفضلهم وأدبهم. وتثقّفوا بالعلوم العصرية، فرقاهم الشاه إلى رفع رتب الدولة.
ولمّا كانت الحرب مستعرةً بين المملكة الرومانية وبلاد فارس، وكان القيصر إذ ذاك يوليانس الملقّب بالجاحد، الذي بعث الوثنية من قبرها وقام يضطهد المسيحيين. ولم يجد الشاه سفراء ينتدبهم لمفاوضة ملك الروم بشأن عقد الصلح أفضل من خدّامه الأمناء الأخوة الثلاثة مانوئيل وصابال واسماعيل. فأوفدهم إلى يوليانس وفوّض إليهم أن يتّفقوا مع القيصر على ما به إعادة السلام إلى المملكتين المتجاورتين، بشروط تضمن الكرامة والطمأنينة.
فسافر الأخوة الثلاثة على بركة الله، وأتوا يوليانس في خلقيدونية، واتّصلوا به وفاتحوه بأمر الصلح. فما كان من ذلك الملك المغرور بقوّته، المتّكل على سيفه، الكافر بإلهه، إلاّ أن رفض بزهوٍ وخيلاء ما كان يحمله إليه أولئك السفراء من شروط الصلح. وزاد على ذلك صَلفاً وخيانةً أنّه أهانهم وأمر بالقبض عليهم. وحملته القحّة، لمّا علم أنّهم مسيحيون، على أن يأمرهم أمراً بالكفر بالمسيح وبتقدمة الذبائح للأوثان.
فلمّا رأى الأخوة الثلاثة أن الله يريدهم لا سفراء لملك الأرض فحسب بل شهداء لملك السماء أيضاً، رفضوا بعزّة نفس وإيمان وشهامة وإباء أن يخضعوا لتلك الأوامر الحائرة. فلمّا رأى يوليانس أن أولئك الأخوة الأبطال هم أرفع من أن يهابوا سطوته أو يخافوا وعيده، وأن للإيمان في قلوبهم المقام الأول، وأنّهم مستعدون أن يضحّوا في سبيل إلههم بكل جاهٍ ورتبةٍ وغنى، أمر بهم فضُربت أعناقهم. وهكذا فازا بإكليل المجد من لدن ملك السماوات والأرض.
لقد طالما كانت الكبرياء مدعاة للكفر وللخيانة والإستبداد. إلاّ أن الله أسرعَ في الانتقام لكنيسته ولشهدائه من ذلك القيصر الجاحد. لأنّه لمّا حمل بعد قليل على الفرس أصابه سهم في كبده، فخرَّ صريعاً، وفهم أن الوقوع بين أيدي الربّ لمخوف، فنظر إلى السماء وصرخ: لقد انتصرت أيّها الناصري. وبعد ذلك أسلم الروح.