يوسف سيدهم
بينما الدولة ماضية في تنفيذ خططها الطموحة في علاج المشاكل المرورية في مدينة القاهرة عن طريق فتح محاور حركة جديدة تخترق الأحياء المختلفة وترتبط ببعضها البعض في شبكة عملاقة من الطرق والكباري ذات معايير متقدمة حديثة تؤهلها لاستيعاب كثافات الحركة المتزايدة سواء داخل الكردون العمراني أو للربط مع شبكات الطرق الخارجية -الدائرية والإقليمية- لتيسير حركة المرور الآلي من وإلي القاهرة… أقول بينما الدولة ماضية في تنفيذ ذلك, هناك من المواطنين الذين يتابعون ما يحدث عن بعد ويعجبون به أشد الإعجاب ويستفيدون منه كل في مجال ونطاق حركته… وهناك من يصطدم بما يحدث عن قرب ويجد نفسه في موضع فك اشتباك بين ما يحدث وبين استقراره وسكنه أو عمله أو ملكيته!!
هذا عينه ما يحدث عندما تقتضي الاعتبارات التخطيطية فتح محور حركة رئيسي يخترق منطقة عمرانية مكتظة بالسكان وبالأنشطة, وذلك يترتب عليه تحديد خط سير ذلك المحور وما ينتج عنه من اعتدائه علي مساحات ضخمة من استعمالات الأراضي والملكيات سواء العامة أو الخاصة, الأمر الذي يجيزه الدستور والقوانين, وليس المقصود هنا إجازة الاعتداء علي الملكية, فالملكية مصونة لا يمكن الاعتداء عليها, إنما المقصود أنه في حالة احتياج الدولة لأية مساحات من الأراضي -سواء الفضاء أو المبنية والمقامة عليها منشآت خاصة أو عامة- لإقامة مشروعات للمنفعة العامة, فيمكنها إصدار قرارات بالاستيلاء علي تلك الأراضي مع تعويض أصحابها التعويض العادل المناسب حسب قيمتها السوقية وحسب طبيعة الأنشطة القائمة عليها.
وعندما نقول التعويض العادل المناسب نؤكد علي حرص أجهزة الدولة علي عدم الجور علي حقوق الملاك أو حقوق المستفيدين من الأراضي والمنشآت والأنشطة المنزوعة ملكيتها وذلك يجب أن يتضمن التقدير الواقعي لجميع العناصر المتأثرة بنزع الملكية والتعويض العادل للمواطنين المضرورين من ذلك… وهنا الأمر لا يقتصر علي التقدير المادي وسداد المقابل للمستحقين إنما أيضا التأكد من إعادة تسكين واستقرار أولئك المستحقين كل حسب طبيعة وجوده في العناصر المنزوعة ملكيتها سواء كانت وحدات سكنية أو مجالات عمل أو خدمات… ولعل الأكثر حساسية في ذلك الوحدات السكنية, فمهما كان هناك تعويض مادي مقابل إجبار مواطنين علي ترك وإخلاء مساكنهم التي استقروا فيها, تظل مسئولية أجهزة الدولة معلقة علي التأكد من إعادة تسكين أولئك المواطنين في وحدات مماثلة لتلك التي كانوا يشغلونها من حيث النطاق العمراني والمساحة لارتباط ذلك بأسرهم وأولادهم ومدارسهم وأعمالهم… ويكفي أن ندرك فرط قسوة التجربة التي تعرضوا لها وصدمتهم إزاء قرار الاستيلاء علي مساكنهم وإحساسهم بالضياع حتي نتخذ كل ما في وسعنا لسرعة إعادة توطينهم واستقرارهم بما يحفظ كرامتهم.
إنني إذ أفتح هذا الملف المسكوت عنه, أعبر عن قلقي وتوجسي إزاء ما لمسته من معاناة إحدي الزميلات في أسرة وطني حيث فجعت أسرتها منذ نحو شهرين بإخطار صادر عن الحي الذي تقع فيه العمارة التي يستأجرون فيها وحدة سكنية -وهو حي المطرية- يخطرهم بضرورة إخلاء مسكنهم تنفيذا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 779 لسنة 2021 الصادر بتاريخ 13 أبريل الماضي والذي ينص علي الآتي:
* المادة الأولي: يعتبر من أعمال المنفعة العامة مشروع تنفيذ محور مسطرد بشارع المشروع وشارع امتداد شارع المشروع وشارع وسط البلد وشارع البريد بحي المطرية وشارع كمال حجاب بحي السلام أول بمحافظة القاهرة.
* المادة الثانية: يستولي بطريق التنفيذ المباشر علي الأراضي والعقارات اللازمة لتنفيذ المشروع المشار إليه في المادة السابقة, والمبين موقعها وحدودها وأسماء ملاكها الظاهرين بالمذكرة والرسم التخطيطي الإجمالي والكشوف المرفقة.
الجدير بالذكر أن إخطار الإخلاء الصادر عن حي المطرية تضمن دعوة جميع المنتفعين من ملكيات وأنشطة وأراضي المناطق المنزوعة ملكيتها إلي التوجه إلي الحي لاستكمال ملفاتهم وأرقام حساباتهم البنكية التي سيتم تحويل التعويضات المستحقة لهم عليها… ويحدد الإخطار فئات التعويضات كما يلي:
- مقابل المتر المربع من الوحدات السكنية 3300 جنيه
- مقابل المتر المربع من المحلات التجارية 10000 جنيه
- مقابل المتر المربع من الأراضي الفضاء 10600 جنيه
وأنا إذ أتطلع لأن يكون تقدير تلك التعويضات منصفا لكل من تم نزع ملكيته أعود وأكرر أنه يلزم تشكيل لجنة رسمية تابعة للجهة المسئولة عن تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء مهمتها متابعة التسكين العادل الآمن المستقر لجميع المواطنين المضارين من هذا القرار وعلي رأسهم شاغلو الوحدات السكنية… وإنني في هذا الخصوص أترك ذلك الملف مفتوحا لتلقي شكاوي هؤلاء المواطنين ورفعها للمسئولين الذين قد يعتقدون أن مسئوليتهم تنحصر في مشروعية الاستيلاء علي الملكية وصرف التعويضا ت المقررة ولا يعبأون بإلقاء المواطنين علي قارعة الطريق!!!