هاني لبيب
حكايات منفصلة ومتصلة.. بطلها الطفل والشاب والرجل حسن عبدالموجود، الذى استطاع أن يمزج فيها بين حياة البشر وعالم الحيوانات ليصل إلى هدفه، وهو اصطحابنا إلى عالم مدهش، استطاع عبر آلاف السنوات أن يستوعب فى توازن دقيق هذا الوجود بين الإنسان والحيوان.
سرد حسن العديد من الحكايات بصوت الإنسان، لكنه منح الحيوانات القدرة كذلك على التعبير والشكوى فى دوائر تحمل ملامح الحب والحياة والموت، وقد حمل كتابه القصصى «البشر والسحالى» خلطة إنسانية سحرية من الدين والفولكلور الشعبى بما يحمله من أساطير وتقاليد وحِكم وأمثال وسِير ذاتية عنه وعن وعائلته وأصدقائه وجيرانه وقريته الصغيرة، وذلك من خلال الخط الثابت للعلاقة بين الحيوانات والبشر، سواء من خلال التكامل بينهما أو الصراع على البقاء والحياة، والأهم أن الكتاب يحمل بصمة المكان والملامح والخصوصية المصرية التى يتميز بها صعيد مصر، بما فيها علاقة المواطنين المسيحيين والمسلمين المصريين، من خلال ما يتخيله كل طرف عن الطرف الثانى، سواء كان حقيقيًا أو مجرد أوهام وخيالات، بالإضافة إلى الاقتراب من أحوال المرأة وتصوير مكانتها الحقيقية فى صعيد مصر.
بَشَر حسن عبدالموجود وسحاليه وحيواناته هم سرد لحياته، سواء فى علاقته بأسرته أو بالعالم. صحيح أنه يجنح إلى الطابع الأسطورى الفولكلورى فى وصف العلاقة بين الإنسان والحيوان، لكنه ينطلق من أرض الواقع، إذ يصور مشاهد تبدو شديدة الوضوح والقوة من الحياة حوله.
فى كل قصة يبدو الإنسان بطلًا مهمًا، لكن الحيوان كذلك هو بطل أهم، وقد مزج بين الخرافة والواقع، ومنح الحيوان أبعادًا أسطورية، فنجح فى إبقائنا مشدودين حتى السطر الأخير من كل قصة ومغامرة، فالخنازير تحاول الحصول على حريتها الافتراضية، والسحالى تحمل فى أجسادها مفاتيح الجنة، والكلاب تسيطر على مملكة الليل، والقطط تمرح فيها وتحركها أرواح الأطفال التوائم، والدود يسيطر على الأرض والمقابر وينتظر بصبر لا حدود له فرائسه، والعقارب تصبح بطلة فى عروض التسلية، والحمير صديقة العفاريت من أيام نوح، أما التيوس ففى وجوهها تظهر ملامح الشر، كما يُخبَز العيش الشمسى من دقيق الفراشات، وقد جسدت رسومات عمرو الكفراوى حكايات الكتاب وهذه العلاقات المتشابكة بشكل مميز.
ومن الواضح أن اختيارات حسن لبشره وحيواناته هى تعبير صادق عن علاقته بهم وتأملاته لهم، حتى بعد مرور سنوات طويلة على مفارقته ذلك العالم، لكنه حين عاد إليه استطاع مزج خبرته ومعرفته بالمكان والبشر والحيوانات، وحررها من النظرة الضيقة، وربطها بمرجعيات إنسانية أكبر، وحمل قارئ تلك الحكايات على جناح الخيال، ليتذكر ما مر به من تجارب مماثلة ومشابهة، أو ليعيش كبطل مشارك فى تلك الحكايات، لدرجة تجعل الأمر يختلط عليك حين يصف بعض حيواناته، إذ يبدو وكأنه يصف بعض البشر ممن نعرفهم جيدًا، وربما نتعامل مع بعضهم.
عالم حسن عبدالموجود الإبداعى يضم الجانب القصصى «ساق وحيدة» و«السهو والخطأ» و«حروب فاتنة»، أما الروائى فيضم «عين القط» و«ناصية باتا»، فضلًا عن بورتريهات «ذئاب منفردة»، وهى جميعها تمثل جوانب إنسانية جديدة محورها ثنائيات الحياة: الخير والشر، الحب والكراهية، الحياة والموت، الصدق والكذب.
نقطة ومن أول السطر..
بشر حسن عبدالموجود وسحاليه وحيواناته هى قصص وحكايات.. يجد كل واحد منا مكانًا له فيها حتى لو كان وجودًا افتراضيًا بين الواقع والخيال.
نقلا عن المصرى اليوم