الباحت عن الحق

مما لا شك فيه أن البابا شنودة صاحب تجربة كنسية قيادية فريدة امتدت لحوالى نصف قرن، حفلت بالعديد و العديد من المراحل و جميعها محل التحليل و الدراسة و النقد و المدح والاتفاق والاختلاف فى دائرة إدارة المنظومة، أو فى محاولة التغيير و الوصول إلى دور فعال داخل الكنيسة.

 و المقالة هى وجهة نظر تحليلية تحتمل الاتفاق والاختلاف، دون تجريم او تكفير أو مصادرة، من واقع مستندات و مراجع و فديوهات ووثائق و كتب و مذكرات.
فالبابا شنودة الثالث ما هو إلا بشر " له ما له و عليه ما عليه" كاى انسان وقد أخطاء مرات و أصاب فى بعض الأحيان و يختلف الأمر حسب كل مرحلة من مراحل حياته والا نضعه في مكانة الإله ولا نتحدث عنه مطلقا
و دعونا الآن نرى و نقترب من شخصية نظير جيد 
فيعتبر تاريخ الأنبا شنودة الثالث خير مثال على مدى ارتباط تاريخ الكنيسة بتاريخ الوطن.
 ولا غرابة فى ذلك فالكنيسة القبطية هى الكنيسة المصرية الوطنية التى صمدت على مر الزمان وعبر كل المحن والأزمات التى مرت بها مصر منذ تأسيس الكنيسة على يد مرقس الرسول وحتى الآن.
كانت حياة قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث، نتاجا لطفولته الصعبة وللتأثر فيما بعد بالعديد من الشخصيات والرموز، الدينية منها والوطنية أيضا، ويقول سكرتير قداسة البابا شنودة الثالث، القس بولس الأنبا بيشوي، جانبا من ذلك التأثر، فقال في كتابه الصادر عن دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون والمُعنون بـ"ذكريات عن حياة البابا شنودة"، إن البابا شنودة في فترة شبابه كان لديه حس وطني وحبًا لمصر نمى داخله.
وأضاف أن البابا شنودة اهتم بالسياسة، وكان معجب جدًا بشخصية الدكتور مكرم باشا عبيد الذي عُرف بخطيب الوفد المفوه، وحين اختلف مكرم ومصطفى النحاس باشا، كتب البابا شنودة شعرًا يدافع فيه عن مكرم عبيد.
من هنا فعلى المؤرخ أن يراعى تناول تاريخ الأنبا شنودة فى إطار التحولات المهمة والعلاقة التبادلية بين الكنيسة والوطن.
 إن المحاولة الأولية للاقتراب من نموذج البابا شنودة لابد أن تنطلق من تاريخ ميلاد البابا شنودة وسنوات التكوين اللاحقة عليه؛ إذ ولد «نظير جيد» (البابا شنودة) فى عام ١٩٢٣م، أى فى أعقاب ثورة ١٩١٩م وصعود نموذج الوحدة الوطنية الذى تجسد فى أروع صورة فى أثناء ثورة ١٩١٩م وما بعدها. 
ولهذا وعلى مر سنين حياة البابا شنودة سنجده دائما وفيا لهذا العصر (عصر الوحدة الوطنية)، ولهذا الميراث ميراث الفترة الليبرالية.
وكان «نظير جيد» مثله مثل أبناء جيله مسلمين و أقباط مولعين بحزب الوفد الذى أصبح بعد ثورة ١٩١٩م وبحق، عباءة الأمة المصرية.
 لكن هذا الإعجاب الشديد سيهتز بشدة مع التحولات فى قيادات حزب الوفد وتوجهاته الارستقراطية الجديدة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث اهتزت ثقة الطبقة الوسطى الصغيرة فى مصر فى حزبها الأثير حزب الوفد الذى بدأ فى التخلى عن كثير من أفكار سعد زغلول. 
ويمكننا أن نلحظ ذلك فى الزلزال الرهيب الذى دب فى وجدان الشاب «نظير جيد» بعد خروج مكرم عبيد من الوفد وتأسيسه لحزب جديد هو حزب «الكتلة الوفدية»؛ إذ سيفضل «نظير جيد» الالتحاق بالكتلة الوفدية وزعيمها مكرم عبيد. ويُسجِّل «نظير جيد» فى ذكرياته لقاءاته بمكرم عبيد والأشعار التى نظمها فى مدح مكرم عبيد والوقوف بجانبه، وكيف نعته مكرم عبيد بـ«شاعر الكتلة».
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية فى عام ١٩٤٥م دخل العالم بأكمله فى مرحلةٍ جديدة، ودخلت مصر أيضا فى متغيرات عديدة؛ إذ بدأ الوهن يدب فى معظم الأحزاب الكبيرة فى مصر آنذاك وبدا للجميع أن هناك جيلا جديدا من الشباب قد برز على الساحة يختلف بشكلٍ كبير مع جيل الآباء ومع المؤسسات الحزبية القديمة، ففى تلك الأثناء كان الصعود الباهر لجماعة الإخوان المسلمين بحيث أصبحت تمثل منافسا مهما لحزب الوفد، وحتى لبقية الأحزاب الأخرى، كما تصاعدت موجة الفاشية فى مصر لا سيما على يد «مصر الفتاة» و زعيمها أحمد حسين.
 وفى تلك الأثناء وحتى فى داخل الجيش المصرى المؤسسة العسكرية النظامية العتيدة بدأ شباب الضباط فى تشكيل تنظيمات سرية كان أهمها وأخطرها بعد ذلك هو تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بثورة ١٩٥٢.
وفى خضم هذه المتغيرات، ومع اهتزاز علاقة الأقباط بالوفد، ومع وجود مشاكل داخلية فى الكنيسة القبطية أحد اسبابها الرئيسية هو تدخل المجلس الملي السافر فى إدارة شؤون الكنيسة و محاربة البطاركة 
ومن هنا سيظهر جيل جديد من الشباب القبطى يرى أنه بات من الصعب الاندماج فى هموم الوطن نظرا لحالة الاستقطاب الشديدة التى عرفتها مصر منذ عام ١٩٤٥ وحتى عام ١٩٥٢. 
ورأى هذا الشباب أنه من الضرورى اصلاح البيت الداخلى «الكنيسة» قبل النظر فى هموم البيت الكبير «الوطن» و محاولة الحصول على دور فعال داخل الكنيسة افضل و اسرع من الدولة. 
وفى حى شبرا وفى إطار مجموعة مدارس الأحد سيلتقى زمرة من خيرة الشباب القبطى عقدوا عزمهم على إصلاح الكنيسة كمدخل أولى لاصلاح الوطن؛ كان على رأس هؤلاء «نظير جيد» ومجموعة أخرى من الشباب القبطى سيلمع بعضها بعد ذلك سواء فى المجال القبطى الإكليركى أو حتى المجال القبطى العلمانى، ومنهم على سبيل المثال «سعد عزيز» (الأنبا صمويل أسقف الخدمات) ود.سليمان نسيم أستاذ التربية القبطية بعد ذلك وغيرهم كثيرون.
 وتأثر نظير جيد بشكل غريب و عجيب بشخص حبيب جرجس مدير الكلية الإكليريكية و صاحب فكرة مدارس الأحد لدرجة أنه قال عنه "و كانت الأرض خربة و قال الله ليكن نور فكان حبيب جرجس"
وسينظر هؤلاء إلى أحوال الكنيسة و أحوال الرهبنة القبطية، و سينذر بعضهم نفسه لمشروع  ما أطلقوا عليه الاصلاح القبطى.
او كما كتب حبيب جرجس فى كتابه
الوسائل العملية للإصلاحات القبطية آمال و احلام يمكن تحقيقها في عشرة أعوام 
وهذا الكتاب تحديدا كان منهج للأنبا شنودة الثالث فيما بعد.
 من هنا ستعرف الكنيسة والأديرة القبطية ظاهرة جديدة ومهمة لأول مرة و  هى ظاهرة الرهبان الجامعيين إذ سيدخل الكثير من الشباب القبطى الجامعى إلى سلك الرهبنة ليُحدِث ثورة جديدة فى أروقة الكنيسة واصلاح الحياة الديرية فى وجهة نظرهم.
بغض النظر عن الآثار أو المخلفات التى سيتركها هذا الحراك الكبير على الكنيسة والأقباط و الوطن بتلك الطريقة.
 فبالرغم من أن البابا يوساب الثانى البطريرك ال ١١٥ و الذى كان يقود الكنيسة فى ذلك الوقت بالحكمة و الورع و التقوى و مخافة الله....
فلما لا  فهو البابا يوساب الثانى البطريرك المتعلم الحاصل على شهادة فى اللاهوت من أثينا و هو البابا المثقف المتحدث بحوالى ٥ لغات وقام بأعمال جليلة في البطريركية نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:
( تدريس الدين المسيحي في المدارس الحكومية وعمل منهج لذلك- إنشاء مكتبة كبيرة سميت بالمكتبة اليوسابية- التبشير و الخروج بالكنيسة خارج مصر من خلال نيجيريا و جنوب افريقيا و الانفتاح على مجلس الكنائس العالمي- محاولة إنشاء اول كنيسة فى أمريكا وبالتحديد في شيكاغو-انشاء مكتب مراسلة داخل الدار البطريركية هو الأول من نوعه و ترجمة كتب الطقس و الصلوات إلى الإنجليزية و الفرنسية التبشير بها خارج البلاد- إنشاء معهد الدراسات القبطية فى عهده- إنشاء مبني القاعة اليوسابية(مسرح الأنبا رويس) ليكون منبر للثقافة والعلم- بناء و تشيد الكثير من الكنائس و الجمعيات القبطية فى عهده- الحصول على الإجازات الرسمية للأقباط و الخاصة بالاعياد الدينية- دعمه الشديد للكلية الإكليريكية حتى أنه قام بنقلها إلى أرض الأنبا رويس كما دعم فكرة مدارس الأحد و أجبر الكهنة على الحضور للتأكد من سلامة التعليم)
وغيرها الكثير و الكثير من الإنجازات و التى يعتبر من خلالها أن البابا يوساب الثانى كان سابق لعصره و صاحب النهضة الحقيقة داخل الكنيسة القبطية بالعصر الحديث و بطريرك ارثذوكسي حيث النخاع.
 وكما خرج الضباط الأحرار فى مطلع الخمسينيات من ثكناتهم العسكرية لإصلاح أحوال الوطن، و انقلبوا على الملك و فعلوا حراك ثورى دب فى كل مفاصل الدولة
 سيدخل هؤلاء الشباب القبطى فى مطلع الخمسينيات أيضا إلى الأديرة لاصلاح أحوال الكنيسة فى وجهة نظرهم و للوصول إلى القيادة الكنسية.
و لقد كانت مصر و الكنيسة وبحق على موعد مع القدر مع جيل جديد من الشباب (شباب مدارس الأحد) عقد العزم على إنهاء نظام وبداية نظام جديد بكل صراحة، ولعل خير دليل على ذلك كلمة (التطهير ) التى أصبحت الكلمة السحرية فى أروقة الإدارة والحكم فى مصر بعد ثورة ١٩٥٢م التى كانت أيضا هى الشعار الذى رفعه الشباب القبطى من أجل (تطهير) الكنيسة ومحاربة (الفساد)
شعارات أطلقها ضباط يوليو ٥٢ و استخدمها شباب مدارس و مجلة مدارس الأحد و الوزير جندى عبد الملك وزير التموين القبطي الوحيد في حكومة ناصر عندما كتب مقالات ممنهجة ضد البابا يوساب الثانى لإسقاطه مستخدما نفس الشعارات و العبارات.
و اجج هذا الأمر رفض المجمع المقدس برئاسة البابا يوساب الثانى رسامة حبيب جرجس مطران للجيزة  (البالغ فى ذلك الوقت حوالى ٧٣ سنة و كان مريض) وتم الرفض لأنه لم يكن من سلك الرهبان
فقامت الدنيا و لم تقعد و تم هجوم شرس من مجلة مدارس الأحد ضد البابا يوساب الثانى ومقالات كثيرة تتحدث عن عدم قانونية إختيار البطريرك من ضمن المطارنة و كأنها رد صريح و مباشر على رفض رسامة حبيب جرجس لأنه لم يكن راهب 
"يعنى بالتعبير البلدى"
(انت بتقول أن حبيب جرجس مش راهب فمش هينفع يترسم مطران طيب انت كمان مكنش ينفع تترسم بطريرك لأنك كنت مطران لجرجا )
والسؤال هنا هل كان البابا يوساب ضد حبيب جرجس ؟
والإجابة بالعكس لقد دعم البابا يوساب الثانى حبيب جرجس كثيرا من خلال دعمه المستمر للكلية الإكليريكية و تطويرها كما دعم مدارس الأحد و تلاميذ حبيب جرجس فالبابا يوساب الثانى لم يقف ضد احد وفتح زراعه للجميع
فهو بابا الكل الراعي الأمين الصالح.
وعانى البابا يوساب الثانى كثيرا من تلك المحاربات و مع قيام حركة ضباط يوليو و إنشاء جماعة الأمة القبطية وهى جماعة موازية لجماعة الإخوان تلك الجماعة التى قامت بخطف البابا يوساب فى ذكرى يوليو ٥٤ 
وقيل إن نظير جيد كان ينتمي لتلك الجماعة و كان مشارك لهم فى ذلك الإنقلاب المسلح
 مع أن تاريخ رهبنته سابق ليوم الخطف بأيام و إن كان جاء فجاءة و فى نفس شهر و سنة خطف البابا يوساب فى يوليو ٥٤
إلى أنه من المؤكد أن نظير جيد وان لم يكن ينتمي إلى تلك الجماعة فعليا أو لم يستخدم اسلوب القوة و العنف إلا أن مقالاته الثورية و النارية ضد البابا يوساب و حاشيته اججت المشاعر و الأفكار ضد البابا يوساب و أدت بشكل أو بآخر إلى تلك الأفعال وكأنها "فتوه كنسية" و تصريح لهم لفعل اى شئ 
وتنفيذ لمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"
بالتعبير الدارج
غايتنا الإصلاح فهندوس على اى حد فى طريقنا حتى لو كان البطريرك نفسه .. 
مع العلم أن كل ما أثير حول البابا يوساب و تلميذه ملك و كل حاشيته كلها اكاذيب و إشاعات مغرضة للنيل من البابا و إسقاط النظام
كما فعلوا مع الملك و من ثم اللواء نجيب
فعبد الناصر اتبع نفس مبدأ الانجليز (فرق تسد)
تهم بلا دليل ولا اعتراف و لا شهود و لا حتى محاكمات عادلة كنسية توجهت نحو البابا و تلميذه
ولم يتم حتى تطبيق  مبداء القانون ( أن المتهم بريء حتى تثبت أدانته ) (ومن الحق المتهم أن يدافع عن نفسه)(فلم يتم عمل اى محاكمات عادلة كنسية)
ولم يجرد أو يحرم أحد سواء مطارنة او أساقفة أو كهنة أو حتى تلميذ البابا ملك
وحتى بعد إقصاء ملك تلميذ البابا يوساب و تحديد إقامته من قبل مجلس قيادة الثورة 
الا أنهم استمروا في محاربة البابا يوساب الثانى إلى النفس الأخير و هذا يفسر بشكل كبير أن الهدف كان هو شخص البابا يوساب وليس شيء غير ذلك.
هذا البطريرك الراعي الذى كان يتولي المسؤلية من سنة ١٩٤٦م فهل اكتشفوا الفساد فجاءة و ضعف الشخصية و السيمونية .. إلخ 
فى أواخر ١٩٥٥م بعد حوالى ٩ سنوات !!!
هل تركوا الكنيسة بهذا الفساد طوال هذا المدة 
ولم ينتفضوا ...ام أنها اكذوبة كبرى صدقها من صدق و اندفع وراءها من اندفع 
ومن الغريب و العجيب أن بعد نياحة البابا يوساب الثانى تصارعوا هؤلاء من أجل الوصول إلى كرسي البطريرك ولكن لائحة ٥٧ أبعدت شباب مدارس الأحد عن دخول الإنتخابات ومن ثم القرعة الهيكلية.
وشاء القدر أن يتولي المسؤلية البابا كيرلس السادس بعد نياحة البابا يوساب بحوالى ٣ سنوات !!! وهذا أمر غريب أيضا لماذا تركت الكنيسة بقامقام طوال هذه الفترة... !!!
 و المهم ان البابا كيرلس احتضن هذا الجيل من الرهبان الجامعيين، الذى رسم هو شخصيا بعض منهم رهبان على دير الأنبا صموئيل المعترف  الذى كان يتولي رئاسته فى حبرية البابا يوساب الثانى عندما كان القمص نينا المتوحد
 و فعل هذا حتى يكسبهم و يتفادى التصادم معهم هو الآخر كما فعلوا مع البابا يوساب ولأن بعض منهم كان هدفه كرسي البطريرك بحث عن التغيير..
بل وقام البابا كيرلس بتعينهم ضمن السكرتاريه الخاصة به بل قام  برسمهم كأساقفة ومطارنة، لتبدأ الكنيسة فترة جديدة و مختلفة و  عملية إصلاح و تغيير وتجديد  دماء مثلما كان حال سنوات الخمسينيات والستينيات فى مصر آنذاك.
 ولكن تصادم البابا كيرلس السادس بتطلعات الأنبا شنودة أسقف التعليم فى نشر فكر حبيب جرجس و المضى على منهجه فى التعليم و الوعظ و كتابة الكتب... إلخ
وكانت قد جمعتهم الحياة فى عام ١٩٥٠ او ١٩٥١
عندما ذهب نظير جيد ليسكن عند القمص مينا المتوحد "البابا كيرلس السادس" فى بيت الطلبة الذى إنشاؤه فى منطقة مصر القديمة وكأنه يحاول أن يتحثث و يشاهد هذا الرجل من قرب وتهافت الشباب عليه و منهم من كان من تلاميذ حبيب جرجس  الذين كانوا يبحثون عن الشبع الروحى عن طريق ( الإعتراف - التناول- الصلاة)
ولكنه سريعا ما عاد نظير جيد إلى عباءة حبيب جرجس الذى فضلها عن اى معلم اخر مع إضافة بعض التعديلات التى أوقفت حبيب جرجس عن الوصول إلى امانية و احلامه و منها أنه لم يكن راهب ولم يكن شخصية عنيفة هجومية أو ثورية
 و لنعود لخلاف البابا كيرلس و الأنبا شنودة  فمع ترك مسؤلية الكلية الإكليريكية للدكتور وهيب عطالله ( الأنبا غورغوريوس أسقف البحث العلمى) وتفرغ الأنبا شنودة إلى الوعظ و تأليف الكتب و المقالات الصحفيه وانشاء مجلة 
الكرازة واستخدام نفس الأسلوب القديم عندما كان نظير جيد رئيس مجلة مدارس الأحد بالهجوم و انتقاد الأوضاع الخاصة بالبطريرك و البطريركية تحت مسميات القوانين الكنسية
وينبغي للرعية أن تختار الراعى و من يرث الابراشية إلخ ...
 أدى ذلك إلى اتخاذ موقف شديد من البابا كيرلس السادس نحو الأنبا شنودة و تم حرم الأنبا شنودة مرتين و ذهب إلى الدير و بقي هناك فترة إلى أن عاد مرة أخرى وبقيت العلاقات فاترة إلى أن رحل البابا كيرلس.
وبارتباط شديد بين أحوال الوطن وأحوال الكنيسة يرحل جمال عبدالناصر فى عام ١٩٧٠م ويأتى رئيس جديد «أنور السادات» ومرحلة جديدة، ويرحل فى العام التالى ١٩٧١م البابا كيرلس السادس 
ويحدث صراع اخر للوصول إلى كرسي البطريرك و هذه المرة كان لابد من وصول حبيب جرجس إلى كرسي البطريرك اقصد شباب مدارس الأحد
ويأتى بابا جديد «البابا شنودة الثالث» مع مرحلة جديدة للكنيسة والوطن.
وصفها البابا شنودة الثالث فى لقاء عندما قال
البابا يوساب الثانى هو المدرسة القديمة
والبابا كيرلس السادس هو مرحلة انتقالية وسطية
أما أنا "البابا شنودة" فهو الجيل الجديد الذى تربى فى مدارس الأحد
ومن المفارقات الشديدة أن كلا من السادات و البابا شنودة ينتميان إلى جيلٍ واحد هو جيل ما بعد ثورة ١٩١٩م؛ إذ ولد السادات عام ١٩١٨م و البابا شنودة عام ١٩٢٣م وبالتالى فهما تقريبا من نفس الجيل وكلاهما خدم فى الجيش المصري.
 من هنا ستكون الندية والرغبة فى التغيير عامل تقارب بينهما أحيانا، وعامل تباعد وجفاء فى أغلب الأحيان.
وفى رأينا أن كليهما لم ينوِ العداء للآخر من البداية بل كان كلاهما حريصا إلى حدٍ كبير على حسن العلاقات بين الكنيسة والدولة، وكانت ذكريات العلاقة الحميمة بين البابا كيرلس السادس وعبدالناصر تمثل لهما ضرورة الاستمرارية على نفس النهج.
 فربما لا يعرف الكثيرون أن البابا شنودة أيَّد ما عُرف بثورة التصحيح التى قادها السادات فى مايو ١٩٧١م، بل واعتبرها بداية حياة جديدة لمصر يشعر فيها الإنسان بكيانه وذاته، كما أيَّد البابا شنودة خطوة السادات نحو إعادة فتح قناة السويس عام ١٩٧٥م. 
وعلى عكس ما يعتقد البعض أيَّد البابا شنودة السادات فى رحلته إلى القدس بحثا عن السلام، وإن كان قد اعترض على الخطوات التالية التى اتبعها السادات فى شكل سلامٍ منفرد.
لكن الظروف والمتغيرات السياسية والدينية فى فترة السبعينيات دفعت السادات و الأنبا شنودة
 إلى حد الصدام، إذ مثَّل الصعود الكبير للتيارات الإسلامية وقتئذٍ قلقا شديدا للكنيسة والأقباط، لا سيما مع تصاعد مطالبة هذه التيارات بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية والنص على ذلك فى الدستور و المشاكل الطائفية التى حدثت.
 ويعترف أبوسيف يوسف فى كتابه «الأقباط والقومية العربية» أن مسألة تطبيق الشريعة كانت هى المستجد الجديد الذى (أصبح مركز التوتر فى صفوف الجماعتين الإسلامية والمسيحية). 
كانت هناك بالفعل مشاكل أخرى عديدة مثل مسألة الكنائس والوظائف وغيرها، وهى قضايا قديمة ـ جديدة، لكن المتغير الجديد (تطبيق الشريعة) ساعد على توتر العلاقات القبطية الإسلامية، حتى اقترحت الكنيسة أن يُضاف إلى المادة الثانية المعدَّلة من الدستور عبارة (بما لا يتعارض مع شرائع الأقباط).
وفى نفس الوقت حاول السادات من ناحيته الاستفادة من تصاعد التيارات الإسلامية فى مطلع عصره فى مواجهة اليسار والقوى الناصرية، فأدى ذلك إلى تذمر الكنيسة واستشعارها الخطر. 
كما حاول السادات فى نهاية عصره المزايدة على التيارات الإسلامية وكسب الشعب إلى صفه بإعلانه الشهير فى إحدى خطبه (أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة)، مما دفع العلاقة بين الكنيسة والدولة إلى حالة الصدام المباشر والمُـعلن. 
وزاد من حدة الأمر المتغير الجديد على الساحة المصرية وهو دور أقباط المهجر فى التنديد بالسادات واتهامه باضطهاد الأقباط فى مصر، وحساسية السادات الذى كان يراهن على أن ٩٩% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، إزاء موقف أقباط المهجر وإحراجه عند زياراته المتعددة لأمريكا.
 وكانت سنة ١٩٨١م هى نقطة اللا عودة بين الكنيسة والدولة، ضمن إجراءات عديدة استثنائية اتخذها السادات ضد قوى المعارضة؛ حيث تم سحب اعتراف الدولة بالبابا شنودة كبطريرك للأقباط وتم إلزامه بالإقامة الجبرية فى دير الأنبا بيشوى فى وادى النطرون. 
وتعين لجنة خماسية لإدارة شؤون الكنيسة
وتركت هذه التجربة آثارا أليمة على نفسية البابا شنودة الذى أدرك، وهو فى الخمسينيات من عمره، أن الصدام المباشر مع الدولة يأتى دائما بعواقب وخيمة على الوطن وعلى الكنيسة.
وتذكر وهو دارس للتاريخ و معاصر ما حدث مع البابا يوساب الثانى من عبد الناصر و فكرة العزل و الإقصاء..
 لذلك كانت سياسته بعد خروجه من الدير فى عهد مبارك هى سياسة «شعرة معاوية» فى محاولةٍ لتجنيب الكنيسة و الوطن أثارا وخيمة مثلما حدث فى نهايات عصر السادات. 
وهو الموقف الذى دفع ببعض أقباط المهجر، ولاحقا ببعض شباب الأقباط، إلى عدم تقبُل سياسات ومقولات البابا شنودة فى أثناء العديد من الفتن الطائفية فى عهد مبارك.
وأخذ البعض على البابا شنودة موقفه المتحفظ من ثورة ٢٥ يناير فى بدايتها، بل واعتبره البعض بمثابة تأييد صريح لمبارك ونظامه.
 فلقد كان البابا شنودة  يُدرك أن الأقباط لم يُعانوا فى عصرٍ مثلما عانوا فى عصر مبارك، ولكنه وكما قلنا بعد تجربة أليمة كان يُفضِّل سياسة «شعرة معاوية»؛ كما كان من الصعب على رجلٍ دخل فى عمر الثامنة والثمانين، مثله مثل أبناء جيله من المسلمين، أن يتقبل بسهولة فكرة الثورة على نظام وجيل وتخوفه مما بعد الثورة.
 كما تخوَّف البابا شنودة أيضا مثله مثل الكثيرين فى بداية الثورة مما أُشيع وقتها أن التيارات الإسلامية وقوى إسلامية خارجية هى التى وراء الثورة. 
لكن صوتا مقربا من البابا شنودة ومن داخل الكنيسة، هو الأنبا موسى أسقف الشباب، سيكتب مقالات فى الصحف وقبل خلع الرئيس السابق تحية للثورة وإيمانا بجيلٍ جديدٍ يولد على أرض مصر.
 ومن المعروف كنسيا أن الأنبا موسى ما كان يمكن أن يكتب ذلك إلا وعلى الأقل بعدم اعتراض من جانب البابا شنودة.
ورفض البابا شنودة إلا أن يختم حياته بتسجيل موافقته على الإنقلاب ؛ و استطاع البابا شنودة بحكمته، ورغم صيحات الشباب القبطى ضده، أن يُجنِّب البلاد شر الحرب الأهلية أو الفتنة الداخلية فى أعقاب حادث ماسبيرو و الذى يري البعض أن موقفه كان سلبيا جدا. 
ومقولته الشهيرة تتصدر: (إن مصر وطن يعيش فينا لا وطن نعيش فيه).
إن علينا فى الأيام العصيبة القادمة أن نستلهم تاريخنا الوطنى وأمثلته الناصعة فى الوحدة الوطنية ونعرف جيدا ( طوال مع علاقة الحاكم بالبطريرك جيدة )إذا نتجنب الكثير والكثير من المشاكل....
منذ ثورة ١٩١٩م ووقوف القمص سرجيوس على منبر الأزهر والشيخ القاياتى والشيخ أبوالعيون على مذبح الكنيسة المرقسية، وسعد زغلول ومكرم عبيد، وعبدالناصر والبابا كيرلس السادس و البابا شنودة و الرئيس مبارك؛
وصولا إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي و البابا تواضروس الثاني "حفظهم الله لمصر".
ويجب علينا دراسة التاريخ و كتابته بكل حيادية و شفافية للأجيال القادمة
وليس الهدف الهجوم أو النقد بل رصد شديد الوضوح لما حدث فى التاريخ القريب.
بركة صلواتهم تكون مع الجميع امين.
 
∆∆∆∆∆∆∆بعض المراجع الهامة∆∆∆∆∆∆
                         ~~~~~~
+مذكرات الأنبا غورغوريوس أسقف البحث العلمى
+مذكرات القمص متى المسكين
+ الأحاديث الصحفية والإعلامية لمؤسس جماعة الأمة القبطية ابراهيم فهمى هلال 
+كتاب (ذكريات عن حياة البابا شنودة) القس بولس الأنبا بيشوي
+ كتاب "الأقباط والقومية العربية"
+كتاب السادات و الأقباط
+كتاب لعنة جماعة الأمة القبطية
+كتاب خريف الغضب
+كتاب عودة الوعى (توفيق الحكيم)
+مجلة مدارس الأحد
+مجلة الكرازة
+مقالات الوزير جندى عبد الملك فى" جريدة مصر " وزير التموين القبطي الوحيد في حكومة ناصر الممنهجة لإسقاط البابا يوساب الثانى
+شكوى البابا يوساب الثانى لوزير الداخلية زكريا محي الدين ضد ما يفعله الوزير جندى عبد الملك
+كتاب كنت رئيسا لمصر (مذكرات اللواء محمد نجيب)
+سكرتارية البابا كيرلس السادس
https://www.facebook.com/544440719800835/videos/3685809238163866/
+البابا شنودة الثالث يحكي قصة حياته و فى اخر نصف ساعة يتحدث عن المشاكل مع البابا كيرلس السادس
https://youtu.be/tDqDGRUgrnE
+البابا شنودة الثالث يتحدث عن شكوى من الأنباء غورغوريوس 
https://youtu.be/JsZfgQQxgjQ
+البابا شنودة الثالث يتحدث عن البابا يوساب الثانى و البابا كيرلس السادس
https://youtu.be/zYJ57NaMD6Y
+البابا شنودة الثالث يتحدث عن القمص متى المسكين
https://www.facebook.com/1627038124177283/posts/2642492215965197/
+عظة البابا شنودة الثالث عن حبيب جرجس استاذه و معلمه الأول
https://youtu.be/W29RYIo3qME