سحر الجعارة
لا أدرى من أين جاءتنا الشجاعة؟ ولا كيف تجمّعنا كأفراد على 30 يونيو'> ثورة 30 يونيو؟.. كنت أظهر مع الإعلامى «يوسف الحسينى»، أتهم المعزول «محمد مرسى» بالخيانة، ونذهب إلى منازلنا تحاصرنا ميليشيات «المغير».. وفى اليوم التالى يتكرّر المشهد مع الإعلامى «معتز الدمرداش».. كانت الصحف تصطخب بالغضب الوطنى النبيل، والشاشات تتحول إلى منصات تقصف «مكتب الإرشاد» الذى حكم مصر آنذاك.. ورغم المولوتوف والرصاص الحى.. ورغم حصار مدينة الإنتاج الإعلامى والمحكمة الدستورية العليا كانت «ثورة الغضب» قد اشتعلت: هذا الشعب لن يتعايش مع حكم المرشد.. لم يكن مهدداً بنقص الغاز أو البنزين أو استيطان الإرهاب، بل كان مهدداً فى «هويته»، فى سيادته الوطنية على أراضيه.. وكانت بداخله «أمنية» أن ينتهى الكابوس الهزلى لحكم الإخوان بتدخّل الجيش، حتى جاءت «إشارة الخلاص».
كان المشير «عبدالفتاح السيسى» -آنذاك- يستمع إلى أطول خطاب رئاسى ألقاه «مرسى» على يومين، ممسكاً بيده منديلاً، يوحى بأنه تعمّد عدم التصفيق حتى لمغازلة «مرسى» للقوات المسلحة، تلك التى كان كل قياداتها داخل القاعة.. وبحكم سكنى كنت أعلم أن حجم الطائرات التى تحلق فى سمائنا لا يخص موكب الرئيس، ولا رجاله فقط.. مع نظرة «السيسى» بدأت الكاريزما السياسية تعلن عن وجودها.. وكانت «لغة الجسد» كفيلة بأن يعرف الشعب أن الجيش فى ظهره يؤيد اختياره ويباركه، وأن القوات المسلحة لن تقبل بسياسة «إما نحكمكم أو نقتلكم»!.
إنه المشهد الرئيسى الذى لا بد أن يسجله التاريخ، رغم كل ما كُتب أو سوف يكتب عن 30 يونيو'> ثورة 30 يونيو، سوف يبقى استدعاء الملايين فى الشوارع والميادين لـ«عبدالفتاح السيسى» لتخليص مصر من حكم فاشى.. بعدما خذلتهم القوى السياسية والكيانات الثورية وتحالفت جميعها مع «شيطان الحكم».. سوف يبقى هو المشهد الأهم.
كان الجيش المصرى هو حائط الصد الأخير، وهو الجيش الذى لم نفقد ثقتنا فيه يوماً.. جيش متماسك صلب لا يعرف الطائفية ولا المذهبية، لا ينحاز إلا للشعب، استفزه -ربما أكثر منا- حضور قتلة الرئيس الراحل «أنور السادات» احتفالات نصر أكتوبر 2012.. على رأسه قائد من خلفية استخباراتية يعرف كل حبة رمل فى سيناء، قيمتها، والدماء التى حررتها، وأقدام الإرهابيين التى دنستها.
لم يشأ «السيسى» أن يأتى لكرسى الحكم متوجاً بانتصار ثورة الشعب، وكان يعلم أن المهمة ثقيلة، وأنه هدف لمحاولات الاغتيال.. حين طلب تفويضاً لمواجهة «إرهاب محتمل» كان يدرك أن الإرهاب واقع.. وحين فوّضته الملايين وأفطر مسيحيو مصر مع مسلميها فى الشارع، أيقن أنه تربّع فى قلوب المصريين.
كنت أتمنى أن يمنح «الدستور» صلاحيات أكثر للرئيس، لكن تقييده بموافقة ثلثى أعضاء مجلس الشعب هى تحصين للمستقبل.. وكنت أتمنى أن يكون عدد شهداء الحرية أقل، وأن تكون الدماء الزكية التى أراقها إرهاب الإخوان أقل.. لكن الأوطان لا تتحرّر بالأمنيات.
خاض «السيسى» حرب التنمية والبناء والحرب على الإرهاب وضد الفساد، وهو يرى أوطاناً تتساقط وجيوشاً تتهاوى من حولنا.. ولم يأتِ اعتراف العالم بثورتنا على طبق من فضة ولا كانت مهمة تنويع مصادر السلاح ولا المشاريع العملاقة والمدن الجديدة سهلة.. هذا القائد يريد أن يترك بصمته فى كل زوايا الوطن وأركانه.. لقد التقط الجيش دولة على وشك السقوط والآن نراها تصعد.
لكن القضاء على الفاشية الدينية لا يزال مستمراً.. إنها مؤامرة خارجية لها خلايا نائمة ونشطة فى الداخل.
نقلا عن الوطن