الأنبا إرميا
الثوْرات صفحات لا تُمحى من تاريخ الأمم والشعوب. و«مِصر» دولة عظيمة منذ فجر التاريخ، بشعبها الذى صنع الحضارة وقدّمها للعالم، الشعب العظيم الصامد فى الشدائد والمحن، الذى تظهر أصالته وعظمته فى ما يمر به من دقيق المواقف وأعاصير المحكات. إلا أن «مِصر» دائمًا تتجاوز آلامها وكبواتها سريعـًا بقوة إرادة شعبها العظيم.
وحين نتأمل صفحات التاريخ المِصرىّ، نقف أمام شعب تحدى كل صُنوف الاستعمار الذى استحلّ أراضيه، متذكرين كلمات الأديب المِصرىّ العالمىّ «نجيب محفوظ» فى روايته «كفاح طيبة»: «مثلما نجح الشعب المِصرىّ فى تحقيق استقلاله فى العصور الغابرة، فإنه سينجح أيضًا فى العصر الحديث». ودائمًا ما يُثبت المِصريُّون نجاحهم: فها هى إطلالات التاريخ تَحفِر فى الذاكرة الإنسانية دور الشعب فى «ثورة ١٩١٩م»، حين ساندت جميع فئات الشعب زعيم الثورة «سعد زغلول»، مجبرةً سلطات الاستعمار على إعادته وزملائه من المنفى. مشهد تاريخىّ آخر: «ثورة ١٩٥٢م»، التى انطلقت من بين صُفوف الجيش المِصرىّ إلى جموع الشعب من أجل استعادة «مِصر» وخيراتها لأبنائها.
وفى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣م، احتشدت ملايين المِصريِّين سلميًّا فى الميادين، فى ثورة بيضاء، معلنةً إرادة الشعب فى تحديد مصيره وحريته واستعادة بلاده من سالبيها. إن «مِصر» هى صانعة الحضارة التى تسير على آثارها خطى العالم اليوم، وفى مسيرتها هى صانعة الأحداث التى يقف أمامها العالم مشدوهًا. وكما ذكر سيادة الرئيس «عبد الفتاح السيسى»، فإن ثورة الثلاثين من يونيو كانت: «تغييرًا لمسار أمة تملك رصيدًا كبيرًا من المجد، وتاريخًا فريدًا من الحضارة، ومكانًا عظيمًا بين الأمم الأخرى، وتتطلع إلى أن تعود إلى سيرتها الأولى، وتتبوأ مكانتها التى تستحقها». لقد كان القرار المِصرىّ ينبَُِع من إرادة الشعب وحريته ولا يُفرض عليه.
ومن ذلك اليوم، بدأت «مِصر» رحلة جديدة من البناء، واستعادة دورها الريادىّ فى العالم، على الرغم من قوة التحديات التى واجهتها بقيادة الرئيس «عبد الفتاح السيسى»، الذى يكِن كل الحب والإخلاص فى قلبه لـ«مِصر»، ساعيًا باستمرار لإعلاء شأنها، وتوطيد هيبتها، واستمرار بنائها، معيدًا إليها كرامتها وعزتها وريادتها بين أقطار العالم، محافظًا على أمنها وسلامتها، فى أبوة لكل المِصريِّين. وقد حقق سيادته كثيرًا من الإنجازات، فعلى سبيل المثال، لا الحصر: مشروع «قناة السويس الجديدة»، والتطويرات التى شهدتها قطاعات عديدة كالكهرباء والصناعة، وإنتاج الغاز الطبيعىّ وشبكة طرق هائلة فى أنحاء البلاد، وتطوير القرى المِصرية، مع اهتمام كبير بالمستقبل من خلال تركيزه فى الشباب.
أما التصدى للإرهاب والحفاظ على الأراضى المِصرية، فقد كانا دائمًا هدفين يضعهما السيد الرئيس نصب عينيه؛ فجاءت توجيهاته وأوامره بضرورة دحر الإرهاب فى كل أساليبه، والحفاظ على أمن «مِصر»، وتأمينها من أىّ عدُو على الصعيدين الداخلىّ والخارجىّ. ولا تُنسى جهود سيادته فى استعادة سلام المنطقة وهدوئها، فى أداء بارز شهِد له زعماء العالم. تحية تقدير إلى السيد الرئيس فى ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو، ونصلى إلى الله أن يسدد خطاه، ويهب له الحكمة والقوة فى قيادة البلاد.
أهنئ المِصريين جميعًا بذكرى ثورة الثلاثين من يونيو. كذلك أود أن أقدم تحية تقدير إلى كل مِصرىّ شارك فى صنع تاريخ بلاده وأمجاده ٢٠١٣م، وبالأخص قوات الشرطة وقواتنا المسلحة، اللتان لم تتوقفا عن مساندة الشعب وإعلاء إرادته، بأدائهما البطولىّ. وحين هب الشعب معلنًا إرادته فى استرداد السلطة، فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣م، حمى الجيش بالتكاتف مع رجال الشرطة تلك الإرادة، واستمرا فى مقاومة الإرهاب وحماية أمن البلاد الداخلى والخارجىّ، مقدمين خيرة أبنائهما شهداء من أجل الوطن. نعم، يظل الثلاثون من يونيو صفحة فريدة فى التاريخ الإنسانىّ، والمِصرىّ خصوصًا، تشرق منها مبادئ العزة والكرامة والوطنية. كل عام وجميعكم بخير. وحفِظ الله «مِصر» وحماها من كل شر. و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم