زهير دعيم
قبل يومين وعلى مفرق الناعمة – عبلّين ، دهس أحد السائقين من احدى البلدات العربيّة طفلًا متسوّلًا من الخليل ، وأصابه اصابة حرجة نُقل على أثرها الى مشفى رمبام في حيفا.
 
  لا أريد أن أُلقي باللائمة على السائق ، فأنا رأيت مرارًا وتكرارًا وبأًمّ عيني كيف يقطع هؤلاء الأطفال المساكين الطرقات العاجّة بالسّيّارات كي يحظوا بشاقل هنا  وخمسة شواقل هناك، والشرطة تنظر وترى وتشاهد وتمرّ مرّ الكرام .
 
  كتبوا وكتبنا الكثير حول هذه الظاهرة المُقلقة وما من يسمع ، فهؤلاء الأطفال المساكين يُعرّضون حياتهم للخطر وحياتنا للضيقات والصّعاب والقلق  فالقضيّة ليست الشّواقل بقدر ما هي تضييقات وخنق حُريّات وتعريض حيوات الناس  للخطر.
 
    أخبرتني ابنتي قبل مدّة أنّها مرّت بسيارتها من مفرق عبلّين – الناعمة ، ففتحت نافذة السيّارة لتُعطيَ أحد الأطفال – والأسى في عينيْه- بعض الشّواقل ، فنظر اليها والدموع في عينيه قائلًا :
 
  أريد طعامًا ، فأنا جائع والشواقل لا تُفيدني .
 
 نعم الشّواقل تذهب برُمّتها الى   " المقاول " الطّمّاع ، الجشع   الذي يستغل هؤلاء البشر استغلالًا بشعًا فيأتي بهم من الخليل وجنين ليرميَ بهم ايام الصيف القائظ والبرد القارس ليشحذوا له وعلى السّالم كما كانت تقول المرحومة جدّتي ، يشحذون له لقاء شواقل قليلة ومنام في حجرة رطبة تحتضن العشرات !!!
 
  أين الضّمير لدى هؤلاء المقاولين ؟ أين قلبهم الإنسانيّ ؟! هذا إن وجدَ في صدورهم قلوب أصلًا ، والأهم أين الشرطة ؟!!!  ألا يرون هؤلاء الأطفال وهم يُعرّضون حياتهم وحياة السائقين للخطر حتى في ساعات الليل.
 
   أرسل لي معلّم سواقة جميل صورة التقطها لأطفال متسوّلين في منتصف الليل ..
 
 ألَم تسمع الشرطة بالمقاولين ؟ أم انّ المقاولين ... ؟!!
 
 لستُ أدري !
 
 ولكنّني أدري أن الأمر قد استشرى وبات لا يُطاق.
 
   نشعرُ – والربّ يعلمُ – مع الفقير والمعوز والمحتاج ، ونؤمن أنَّ رغيفَ خبزٍ نُقدّمه أفضل من مليون كلمة يا حرام ، شريطة أن يكون هذا التسوّل حضاريًّا بعض الشيء.
 
 
 
 قد يقول قائل : كيف يكون استجداءً وحضاريًّا  في عين الوقت ؟!
 
   مرّة أخرى لا جواب لديّ .. المهم أن نسافر ونجد مفارق الطرقات آمنة وخالية من كلّ خطر داهم.
 
  فهل هناك من يسمع في شرطة اسرائيل ويُخفّف من ملاحقة السائقين وكتابة  المخالفات ويُوجّه اهتمامه الى من يقضّ مضجعه ومضجعنا ؟!!!