سحر الجعارة
على صفحات «المصرى اليوم»، دارت عام 2006 معركة ساخنة، كان وقتها جماعة الإخوان الإرهابية قد تمكنت من السيطرة على نسبة الخُمس من مقاعد مجلس الشعب، وقررت الاغتيال المعنوى لـ«فاروق حسنى»، وزير الثقافة الأسبق، بسبب تصريحاته حول «الحجاب».. ومن ساعتها تحول الحجاب إلى «تابو مقدس» لا يمكن الاقتراب منه حتى لعلماء الأزهر أنفسهم!. لقد انتفض شيخ الأزهر السابق «سيد طنطاوى» وكل ما تعرفه من أسماء المشايخ، بزعم أن تصريحات حسنى «متصادمة مع القرآن».. لكنه أصر على أنه لن يعتذر ولن يتراجع عن كلامه، (الذى قال إنه لم يكن للنشر)، لكنه قاطع جلسات مجلس الشعب حتى ترك الوزارة. هكذا أصبحت أسئلة من عينة: هل الحجاب هو الركن السادس فى الإسلام.. هل ترْكه يُخرج المرأة من الإسلام؟ كان المجتمع أمْيَل إلى إقصاء المرأة من الحياة العامة، وأقرب إلى ثقافة الصحراء.. وكأن عملية «وأد سياسى» للنساء قد بدأت مع تنامى نفوذ الإخوان والسلفيين فى الشارع، وترهيبهم للعاملات فى كل مكان.. وصمت الجميع لأن (الحجاب، البخارى، مسلم) أصبحوا الطريق إلى أضيق زنزانة بقضية مضمونة تسمى «ازدراء الأديان»!.
دخلت النساء «ماراثون الأتقى» بعضهن يعلمن أنهن خلفهن فصيل سياسى إرهابى، والبعض الآخر يسعى إلى الجنة، وظهر بزنس الحجاب فى كل الاتجاهات: (أزياء، دعاة جدد، تحجيب فنانات).. وسمعنا لأول مرة كلمة «التوبة» على لسان بعض الفنانات المعتزلات بهدف «تحريم الفن».. وإن كانت إحداهن قد تابت فهى تتوب عن «سلوك شخصى» وليس عن الفن.. حتى أولئك لعبن دورًا فى الترويج لبزنس الحجاب (إحداهن تبيع عباءات فى الخليج، والأخرى تلقى محاضرات بالدولار)!!. يقول فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، الدكتور «أحمد الطيب»، إن الحجاب بمعنى غطاء الرأس أُمر به نساء المسلمين فى القرآن الكريم، وأجمعت الأمة عليه، ولكن المرأة التى لا ترتديه ليست خارجة عن الإسلام، مشيرًا إلى أن حكمها أنها امرأة عاصية آثمة كبقية المعاصى، وهذه المعصية ليست من الكبائر، فترْك الحجاب كالكذب أو أقل. لكن المعركة لم تُحسم، ففى عام 2016 أثارت تصريحات الدكتور سعدالدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن، حول وجود تفسيرات تشير إلى عدم وجود نص واضح فى القرآن يفرض ارتداء الحجاب على المرأة جدلًا كبيرًا، وشكّك «الهلالى» فى الأحاديث النبوية التى يتم الاستناد عليها لتأكيد وجوب الحجاب، مؤكدًا أن هناك العديد من التفسيرات والآراء التى يمكن أن تختار منها المرأة ما يناسبها دون أن يكون هناك فرض أو مواصفات محددة لزى معين.
الآن يقول لنا الدكتور «على جمعة»، مفتى الديار المصرية السابق، إن خلع الحجاب إثم تحاسب المرأة عليه باتفاق علماء المسلمين ليس فيه خلاف لكن ليس «كبيرة من الكبائر».. مؤكدًا أن خلع الحجاب لا يمكن أن يرتقى إلى مثل تارك الصلاة، فهى كبيرة من الكبائر لأنها ركن من أركان الإسلام الخمسة!.
وأكد «جمعة» أن أى إنسان سيسأله: هل الحجاب فرض أم لا؟ سيجيبه بـ: نعم، الحجاب فرض. إذن شيخ الأزهر يقول إن ترْك الحجاب أقل إثمًا من الكذب، ود. «جمعة» يقول إنه ليس من الكبائر.. وفى المقابل يقول «الهلالى» إن إجماع السابقين على أمر لا يُلزم إلا مَن عاشوا وقت هذا الإجماع، مؤكدًا أن هناك عشرات القضايا التى تغير الحكم فيها رغم أنها كانت من قبل محل إجماع.. وهو فى النهاية «تفسير بشرى للنص».. أو كما قال «جمعة» إن علماء الدين ينقلون تفسير آيات القرآن الكريم.. لكننا سنظل أسرى هذه الإشكالية الجدلية التى لا نجد لها حلًا!.
وهنا لابد أن نعترف بأن الحجاب قد تحول إلى رمز سياسى وزى للتمييز الدينى، وصدام مجتمعى بين «دولة الحجاب» التى ترتبط بالأزياء ومشتملاتها ودعاة الإنترنت وحتى عروض الأزياء و«ملكة جمال المحجبات»، وهذا أحدث شكل لتسليع المرأة بغطاء شرعى.. هذه الدولة لن تسقط بفتوى، إنها تنتشر وتتوغل وتفرض «كتالوجها» على المجتمع الذى يحافظ على «التدين الشكلى»، ثم يرتكب كل المعاصى فى السر!!.
s.gaara@almasryalyoum.com
نقلا عن المصرى اليوم